آخر الأخبار
يحيى جابر، شاعر- طفل يلهو بلغته – لعبته، نكاية بالفراهيدي وسيبويه

يحيى جابر، شاعر- طفل يلهو بلغته – لعبته، نكاية بالفراهيدي وسيبويه

الجمعة, 11 أبريل, 2014 - 12:55

(من المراسل الدائم للوكالة بالمنامة، أحمد الطاهري)

المنامة- مثل طفل مشاكس يجدر به اللعب الطليق، يحلو للكاتب اللبناني يحيى جابر أن يلهو بلغته – لعبته. يفكك مفاصلها ويبعثر كلماتها في فضاء اليومي، ما بين الصالون والمطبخ وغرفة النوم (…)، يجمعها لينثرها ثانية ثم يعيد الكرة متلذذا بشغبه الجميل. ويزداد مشهد اللهو نضارة بإضفاء اللمسة المسرحية البارعة، أخذا بنظرة الحكيم أرسطو إلى المسرح “فن الشعر”.
لغة الشاعر، الفصيحة تارة و”المملحة” بالعامية تارة أخرى، هي لغة حكايات الناس تعكس معاناتهم اليومية، آلامهم المهيضة وآمالهم المتوهجة.. لغة تترصد الغريب والمفارق والشاذ.. لغة عارية، فتاكة، حادة الأسنان والمخالب.. لغة سريالية ساخرة، لكنها تلك السخرية المرة التي تكشف عراء المرء الفاضح أمام عاهات العالم، ذاك الضحك المرهف حد البكاء.
من بوسعه، غير أمثال شاعر رقيق رشيق كيحيى جابر، التقاط هكذا مشهد صارخ في الشارع العام؟ لقد انفجر ضاحكا، أمام (بيت الشعر)، بيت إبراهيم العريض في قلب المنامة، قبل أن يلجه مؤخرا ضيفا في أمسية شعرية. سئل عن دافع القهقهة، فأشار إلى لوحة كبيرة مضاءة علقت أعلى محل تجاري مقابل البيت: (سندويشات ومعصرة أبو العتاهية). يا للملهاة! أجدادنا الشعراء باتوا “ماركات مسجلة” لحث الناس على حشو أمعائهم بالطعام وترطيب حناجرهم بالعصائر..! توجه الشاعر أسفل المحل، رسم شارة نصر تضامنا مع أبي العتاهية! ثم طلب التقاط صورة تذكارية تؤرخ للمفارقة الصارخة..
أثنت كلمة تقديمية عليه كثيرا، فرد الجميل بتعبير طفولي شفيف: “ثمة شعور داهم ينتابني. كلما عبر أحدهم عن احترامه لي أشعر بالبكاء”. قال للحضور: “صفوا كلامي كما شئتم”. لكنه يظل كلاما عصيا على التصنيف، يكفيه كونه يأسر سامعه لأنه كلام أخاذ وباعث على الدهشة.. جهرت سيدة من داخل القاعة بالقول: “أنت، وعلى غير العادة، تحكي عنا، لقد أخرجت الشياطين الكامنة في دواخلنا…”.
عناوين كتب يحيى جابر، المسرحي والصحفي والشاعر والأديب الذي خاض الحرب الأهلية وهو في سن الخامسة عشر، تفي لوحدها بالغرض في رسم صورة تقريبية له. لقد صاغها عناوين أشد غرابة عما سواها: “خذ الكتاب بقوة”، “نجوم الظهر”، “الزعران”، “للراشدين فقط”، “كأنني امرأة مطلقة”، “ابتسم أنت لبناني”، “حب في الغسالة”…
يقول عن نفسه إنه كان سيكون نطفة، وردة غائبة عن الوعي، لولا ارتكاب الخطأ لحظة صواب الآخرين (…) هو شاعر بالقوة لا بالفعل إذن! “لو أصيب أبي في حيفا بطلقة سكير أنجليزي في أسفل بطنه (…) لو ماتت أمي بالسكتة القلبية قبل عام 1961، لو (…) الوالد، وبلا وجبة أسنان أنبني وعلمني منذ ثلاثين عاما: يا ولد، يا يحيى ابن زكريا، خذ الكتاب بقوة.. غمس لقمتك بعرق جبينك، كن مهذبا، اخفض بصرك، لا ترفع صوتك، لا تغش، لا تكذب، لا (…) فأصبحت شاعرا، يا للعنة!”.
حرك الشاعر قعر مواجع مواضيع شتى. تكلم عن أمة من أنهار لا تغسل يديها بعد أكل صغارها، عن منتصرين وإن رفعوا أقواس النصر، يظل التاريخ يكتبه المنهزمون في الخفاء، ويسمونهم أحيانا شعراء. كشف عن مجموعة “حيل”، منها أن الرجال يمارسون الحرب أحيانا لإخفاء أنوثتهم، وأنه “حين تأنثنا كرجال تضاعفت الذكورة بالنساء (…)”. ثمة، أيضا، توصيف ساخر لمفارقات مدهشة: “زوجتي قصيرة القامة وتشتم الدول الكبرى، يا للبلاهة!”. “صفعت متسولا لأنه يشبهني، وكتبت مرثية رائعة لا ينقصها سوى موت صديق!”.
هشاشة الطفل تبدو شاخصة في مجمل نصوص الشاعر حيال موضوع المرأة، وهو موضوع إبداع بامتياز لديه، لاسيما وأنه يعتبر أنه داخل كل رجل امرأة، وداخل كل امرأة رجل. “صدقيني يا امرأة، نحن الرجال أضعف الكائنات، نحن الرجال نساء هذا الكوكب”. ثمة انكسارات موجعة وفقدان فادح.. يباس المزهرية بعد اخضرار مؤقت في حقل ألغام حيث الحرب طاحنة، والأسنان مغروسة في لحم الجدران (…).
“بعد باقة العرس لم تزر الورود بيتنا. عشرون عاما، نفوح بالشتائم بين الصالون وغرفة النوم (…) عشرون عاما بعد باقة العرس، المزهرية تحلم بحديقة.. ساكنت شجرة عشرين عاما ولم أنتبه أنها بلا ظلال (…) أخيرا، بعد قصة حب طويلة طويلة، تزوجت نفسي!”. “في الحب خيانة شخص لا نعرفه كان في انتظارنا! سامحيني هل تأخرت؟ قد تستعيد أرضا وتحررها بعد جيل أو جيلين، لكن لا يمكنك الفوز بكمشة حب ولو عشت مليون ربيع وربيع”. ما العمل إذن؟ اللقاء لا البقاء: “لا تفقدها، لا تؤجل قبلة المساء إلى الغد. أنت على مشارف نصر، تابع خط البجع، سرب نساء في امرأة”.
في أوقات مقتطعة من الزمن الرتيب، في لحظات فرح وانتشاء تحلو خلالها مناجاة الحبيبة والتغزل فيها، يدير يحيى جابر ظهره كليا للأجداد “الراشدين”! لا استعانة إطلاقا بمعجمهم. لا تشبيه بشمس أو قمر، بل ثمة نهل من قاموس العيش اليومي.. التشكيلات المنوعة للمأكولات والمشروبات على الموائد العامرة.. اسمرار وجه المعشوقة يشبه “القطايف” المحمرة، و(نيسكافيه) الصباح!. يشبه “الكنافة” المتوهجة على نار خفيفة، وقرص الفلافل في المقلى البحري (…).
يشاغب الشاعر كي “يحرقص” لغويا، ينحت المفردة من هواء الشارع ولهاث وعرق الناس.. “يا سمراء، يا خد المشمش، يا خبز الريجيم. أنا لن أقول وجهك شمس أو قمر، يا روح شراب التوت (…) لن أمد يدي إلى تشابيه الآخرين، لن أسرق لغة غيري. الله يكره اللصوص، وأنا أخاف من حبل مشنقة في الليل (…)”.
أخذا بقاموس الأكل هذا، لا يسد جوع الحب سوى الإقبال بنهم على خيرات الله. وصفة شاعر “شاطر” قلبه ليس في صدره بل بين أمعائه! “أنا الشاعر المعوي (…) لا يهمني أن تصبح كرشي منطادا (…) كلما وصل حبي إلى طريق مسدود أفتح فمي كجرافة فقدت عقلها (…) سأقطع رأس الشاعر وأعتمر قبعة الطاهي، سأفلفل الساعات كالأرز، أنا الشاعر السابق (…)”.
في إطار المشهد المفارق ذاته، لا يستحضر الشاعر في مرثيته، وهو يجابه فقد الحبيبة بعد هجران بدون استئذان كسكتة قلبية، أدنى حكمة للأسلاف “الراشدين!”، لا مجال للرصانة الخالدة للجد الأكبر، امرئ القيس، (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل…). على النقيض من ذلك، ثمة مقاومة شرسة في معركة دامية أعد لها العدة الكاملة حد الانتحار. “أنا الشجرة التي ستلوي ذراع الريح، أنا موجة الموج التي ستدق رأس الجبل، أنا الدمعة الطوفانية (…) يا ثدي الكراهية، هيهات مني الذلة (…)، أنا السيف والسياف، سأخصب قلبي باليورانيوم، أنا السرطاني، أنا ظلام الظلام لا تعرفينني (…)”.
الطفل بلا لعب ليس بطفل، والشاعر (الشاعر سابقا كما وصف يحيى جابر حاله مرة) طفل يلعب باللغة والخيال.. ولأنه ليس ثمة نضج في الطفولة، ولأن النضج مقتل الشعر، تظل اللغة مشاغبة، حرة، طليقة، منفلتة من عقال “العاقلين!”. لغة لينة، مطواعة خدوم، لا لغة عالمة، متعالية، جامدة.. آخر هم الشاعر- الطفل اللاهي بلغته – لعبته أن يتململ الفراهيدي في قبره، أو ألا يوسمه سيبويه برضاه!.

اقرأ أيضا

وكالة بيت مال القدس الشريف ترعى البازار الأول للمنتجات اليدوية ل”ذوي الهمم” في القدس

الثلاثاء, 14 مايو, 2024 في 21:33

احتضن مقر “الجمعية العربية للأشخاص مع إعاقة” في القدس، اليوم الثلاثاء، البازار الأول للمنتجات اليدوية لذوي الهمم تحت شعار “موهوبون بلا حدود”، برعاية من وكالة بيت مال القدس الشريف، الذراع التنفيذية للجنة القدس، برئاسة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله.

السيد ميراوي: الوزارة تعمل مع مؤسسات من القطاعين العام والخاص على تعزيز الطاقة الاستيعابية للأحياء الجامعية

الثلاثاء, 14 مايو, 2024 في 21:13

أكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، اليوم الثلاثاء بمجلس المستشارين، أن الوزارة تعمل مع عدد من المؤسسات العمومية والقطاع الخاص على تعزيز الطاقة الاستيعابية للأحياء الجامعية، من خلال توسعة الأحياء الجامعية الحالية وبناء أخرى جديدة وكذا إحداث إقامات طلابية بشراكة مع القطاع الخاص، وذلك بهدف بلوغ 410 آلاف سرير، في أفق سنة 2030.

الصحراء.. مشاركة وازنة للمغرب في أشغال مؤتمر لجنة الـ24 بفنزويلا

الثلاثاء, 14 مايو, 2024 في 21:12

يشارك وفد مغربي هام، يرأسه السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، في أشغال المؤتمر الإقليمي للجنة الـ24 لمنطقة الكاريبي، التي تنعقد في كاراكاس بفنزويلا ما بين 14 و16 ماي الجاري.