الفنان مولود المسكاوي ..عازف الصوت الانساني على أوتار الماضي

(بقلم علي الحسني)

الرشيدية – داخل متحفه التراثي بقصر مسكي ووسط آلاته الموسيقية الإيقاعية والنفخية والوترية التقليدية يعزف الفنان الشعبي مولود أمريني الملقب بالمسكاوي سمفونية الروح في انسيابها لتلامس في رفق اعماق الصوت الانساني في صفائه.

ايقاعات بلا حدود تلك هي تيمة الابداع لدى المسكاوي الذي ازداد بمدينة ميدلت حيث كان والده يشتغل في بداية ستينيات القرن الماضي بإحدى مناجم المعدن بالمنطقة ليعود بعدها الى بلدته قصر مسكي الذي تعلم فيه ابجديات القراءة والكتابة.
حب مولود المسكاوي الفنان العصامي الذي لم يتجاوز مستواه الدراسي الخامسة ابتدائي للفن والموسيقى كان منذ نعومة اظافره حيث كان يعزف على الات يصنعها بنفسه ، فنشوة الأوتار المتراقصة وفرحة الانعتاق من أسر المكان والزمان، جعلت صاحب “ماما أفريكا” و”عائشة عائشة نبغيك أنا” و “رسول الله” يحلق بالروح في آفاق رحبة عبر آلات مصنوعة من الخشب ومن جذوع الاشجار.
أتقن العزف على كل الآلات التي جمعتها أو تلك التي صنعتها، كما يقول المسكاوي في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، آلات موسيقية مختلفة الاشكال والانواع والايقاعات من الهجهوج والكنبري والعود والرباب والسنتير والقيثارة والدربوكة والطبول والتعريجة الى البانجو والماندولين والبيانو ولورغ والساكسوفون.
كل هذه الآلات، إضافة إلى حركات الجسم التي شكلت لدى المسكاوي لغة يعبر فيها عن سعادته ومشاعره المتباينة وعن الامه واحلامه يستمتع الناس بموسيقاها العذبة الثرية التي تخاطب الوجدان بكل حب وتدعو الجميع للتفاعل معها فيتجاوبون معها بكل حواسهم.
تعبيرات موسيقية نابعة من اعماق هذا الفنان من فن البلدي والملحون الى شغفه الكبير بأنغام “الجاز” و”البلوز” النابعة من الاعماق الافريقية وتأسيسه لمجموعته الفنية سنة 1980 التي طبقت شهرتها الافاق ساهم في الحفاظ على الموسيقى الشعبية المحلية من الاندثار.
من لا ينصت للموسيقى، كما يقول المسكاوي، لا يعرف غبطة الفردوس الروحي ومعنى انتصار الفن، ف” الموسيقى تجعلني اتحرر واصغي إلى همهمة الروح وهي تنعتق من ثقل الجسد لحظة اكتشاف الذات لحقيقتها وكأنها انعكاس في المرايا، خاصة مع الآلات ذات الصوت المخملي الذي يتسرب إلى النفس ويتغلغل فيها”.
وعن التجربة الموسيقية لهذا الفنان يقول عبد العزيز بوبكراوي إنه “محاط بكل ما يحيل على الفن والجمال وعلى العفوية والبساطة الصادقة “، مضيفا ان ” التنوع والغنى والاختلاف الذي تحمله تجربة هذا الفنان من اجل خلق الوحدة ولتكسير المألوف والحفر الاركيولوجي في المعارف والاشكال والالوان لإنتاج التميز في اطار التفاعل “.
الشغف بالموسيقى وروادها أوحى للفنان المسكاوي بإقامة متحف تراثي وسط منزله الطيني يضم أزيد من 400 اسطوانة تقليدية مشرقية وغربية ومغربية لفنانين ومطربين كبار فضلا عن اجهزة الراديو والتلفاز تعود الى فترات الاربعينات والخمسينات من القرن من الماضي وكتب ومصادر حول الموسيقى ولوحات فنية لفنانين تشكيليين.
كما ان مشاركته في اطار التبادل الثقافي في عدة مهرجانات وملتقيات وطنية بالرباط واكادير وزاكورة ودولية بإسبانيا والمانيا وايطاليا والامارات العربية المتحدة والسويد اغنت تجربته الموسيقية ورصيده الفني وشكل حافزا للبحث عن افاق اكثر رحابة في الموسيقى لإغناء فن “البلدي” بإبداع ايقاعات مختلفة توازي الايقاعات التي تصدح بها طبيعة واحة تافيلالت وسحرها.