“همسات الأقاحي”.. ديوان باللغة الفرنسية للشاعرة مينة السحاقي

سعيد الرفاعي

الرباط- صدرت حديثا الطبعة الأولى من ديوان شعر باللغة الفرنسية للشاعرة والإعلامية مينة السحاقي، بعنوان “همسات الأقاحي” (شعر وشذرات).

وتقسم الشاعرة الديوان، الذي يقع في 86 صفحة من الحجم المتوسط، إلى مرحلة “لامبالاة” (1985-1990) ومرحلة “نضج” (1996-2015)، ومرحلة “حكمة” (2010-2015).

وفي مقدمة الديوان، تقول المحللة النفسانية، فاطمة بوعيون الشرقاوي، “مينة تقلنا برقة وحدة في تيهان داخل تعقدها وعمقها وجدليتها مع حساسية فنان وحلمه وانفعالاته”، مضيفة قولها “بين الهمسات، جعلتنا مينة نسافر بين مختلف مراحل الحياة التي يمكن أن يجد فيها كل شخص ذاته. وهي تروي لنا هذا الجانب من الكائن الذي لا يمكن إدراكه، الذي نعدو خلفه، هذا الجانب من المطلق، من الامتزاج مع الكل، الذي يفلت منا في كل مرة نقترب منه، كأنه معلق، ينتظر أن يتحقق”.

وتحضر في هذا الديوان أنفاس عدد من كبار الشعراء الفرنسيين من عيار فيكتور هيغو وبول إليوار، كما تحضر أنفاس عدد من كبار المغنين الفرانكفونيين من أمثال جاك بريل، وكذا داليدا التي توظف الشاعرة أغنيتها (كلمات.. كلمات) في إدانة الجعجعة بدون طحين لدى البعض (ص 45).

ولا تني مينة السحاقي تنافح بكل ما أوتيت من نفس شعري وضمير أدبي حي عن البيئة وعن الطبيعة وعن البشر وتدافع عن حق الجميع في “هواء نقي”، فأدانت زحف الإسفلت المسلح على المدينة التي تحبها (ص 33 )
ويبرز انزياح سلس لدى الشاعرة في قصيدة “الغول” (ص 58) من الوحش الضاري الذي ينهش لحوم الأطفال والنساء والرجال دون رحمة، حسب حكايات الجدات، إلى داء السرطان الوبيل.

وفي قصيدة “والدي” (ص 40) لمينة السحاقي، يعثر المتلقي على ما يحيل إلى الفنانة الفرنسية باربارا في أغنيتها الشهيرة “نانت” عن أبيها الذي لم يتسن لها أن تحضر لحظة وفاته، فتنقل الشاعرة الحدث من مستوى الألم الفردي إلى مستواه الجمعي، مذكرة بخصال هذا الوالد المسجى أمامها، وبطيبوبته وتخفيفه مكابدات الآخرين، وب “كلماته العذبة وابتسامته التي كانت بوصلتها في الحياة”، وأيضا بحيرة أطفالها أمام رحيل جدهم غير المعلن.
ويمتد الحب، الذي يستوطن كيان الشاعرة، إلى “زوجة الأب” (ص 47). فيكون اللقاء أولا بين تلميذة مراهقة في سن السادسة عشرة وزوجة أب ناضجة في الخمسين تتأملها. وعلى عكس انتظارات المتلقي، تكون زوجة الأب هذه أما ثانية رؤوما إلى غاية رحيلها عن هذا العالم مخلفة ندبا عميقا في قلب الشاعرة.
وانتقل هذا الحب، وانتقلت هذه الغيرية من الأب الراحل إلى الابنة الشاعرة فالوصية الجميلة والمؤثرة “فساتيني الجديدة لشقيقتي، وكتبي ولعبي لأطفال ماسح الأحذية، وما وفرته من نقود للأطفال الذين يبكون في الشارع”.
وضمن مرحلة “حكمة” (2010-2015) تورد الشاعرة عددا من الشذرات تحت تسعة عناوين فرعية دالة هي “حب” و”كلام وصمت” و”ألم” و”حقيقة وكذب” و”بحر” و”ضمير” و”علو” و”نظرات وذاكرة” و”وجود”.

وفي هذه الشذرات، تعتصر الشاعرة كل حكمة السنين وكل تجربتها الشعرية فلا تتقيد بوزن أو قافية لتنشد، على سبيل المثال، إنه “على غرار الجميل، الحب هش”، أو تحسم خيارها الإبداعي فتقول “بين غثيان المطلق ومرارة الشك، أختار متعة التخمين”، أو تتفلسف “الذين يحلقون فوق البحر يتأملونه، والذين يبحرون يلامسونه، ولكن الذين يغوصون يفهمونه. الحياه تشبه البحر”، أو تتأمل “إذا استثنينا السينما، كل الباقي مجرد سينما”، أو تقول “أعيش كما لو أن لحياتي معنى”.

ولأن الشاعرة مينة السحاقي نقلت وجعها الشخصي إلى مستوى جمعي، فإن لحياتها معنى، ولأن شعرها، هو قلبها، فإن من لا يرى قلبها على الورق يظلمها، كما قال الشاعر العربي الراحل نزار قباني عن شعره.
تكتب مينة السحاقي باللغتين العربية والفرنسية، وانتقلت من تدريس اللغة الفرنسية إلى عالم الصحافة، وهي عضو مؤسس للعديد من الجمعيات الثقافية والاجتماعية وتقوم بتنشيط العديد من ورشات الكتابة، وقد حازت الجائزة الثانية للشعر التي منحتها لاماليف سنة 2013 .