المغرب نجح في إرساء جسور متينة للتلاقح الثقافي بين ضفتي الأطلسي (أكاديميون)

المغرب نجح في إرساء جسور متينة للتلاقح الثقافي بين ضفتي الأطلسي (أكاديميون)

الأربعاء, 5 سبتمبر, 2018 - 14:48

 

(أجرى الحديث: هشام الأكحل وابراهيم صلاح الدين أمحيل)

سانتياغو – أكد ثلة من الأكاديميين والباحثين الجامعيين المتخصصين في العلاقات بين المغرب وأمريكا اللاتينية أن المملكة، بفضل العديد من العوامل التي تتفرد بها دون غيرها، نجحت في جعل المحيط الأطلسي همزة وصل وجسر تلاقح ثقافي يبدد البرزخ الفاصل بين ضفتي الأطلسي.

وجاء ذلك التأكيد خلال جلسة بوح ثقافي جرى تنظيمها في إطار اللقاءات الدورية لقطب وكالة المغرب العربي للأنباء بأمريكا الجنوبية، وذلك تزامنا مع انعقاد المؤتمر الدولي الأول حول الديبلوماسية الثقافية وحوار الحضارات الذي احتضنت العاصمة الشيلية سانتياغو مؤخرا فعالياته.

وفي هذا السياق، قال الأكاديمي الأرجنتيني، خوان فاغني، الباحث بمركز الدراسات الدولية التابع للجامعة الوطنية لقرطبة (الأرجنتين) إنه يتعين الإشارة إلى أنه انطلاقا من أمريكا اللاتينية ليس هناك إدراك شامل ومعرفة وافية عن المغرب، وبالتالي وجب على المثقفين العمل على إرساء جسور التقارب والتواصل من خلال التركيز على تفرد علاقات المغرب مع أمريكا اللاتينية على جميع المستويات.

وأضاف أنه وعلى مدى نحو عقدين من الزمن شهدت علاقات المملكة دينامية قوية مع هذه الجهة من العالم سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية أو التجارية مع اهتمام خاص بالجانب الثقافي، مسلطا الضوء على “المؤهلات الرمزية التي نتوفر عليها في سياق هذا التعاون الثقافي، فعلى المستوى التاريخي يبدو جليا ذلك التراث الأندلسي المشترك الذي يعتبر نموذجا يقتدى لتحقيق الاندماج والتعايش”.

وفي السياق ذاته، أي في السياق التاريخي، يضيف صاحب مؤلف “المغرب وأمريكا اللاتينية: تقاطعات قديمة وحديثة” يمكن إبراز دور هجرة اليهود المغاربة الذين اختاروا الاستقرار منذ منتصف القرن التاسع عشر في عدد من بلدان القارة كفنزويلا و الشيلي والارجنتين والبرازيل والبيرو، مشيرا إلى أن هؤلاء المغاربة جلبوا معهم إلى أمريكا اللاتينية جزءا غير يسير من الهوية المغربية الغنية بطابعها التعددي.

وتابع الكاتب الأرجنتيني بالقول إن اللغة الاسبانية تعتبر جذعا مشتركا يجمع المغرب وأمريكا اللاتينية على اعتبار أن هذه اللغة تحظى في المملكة باهتمام كبير سواء من حيث عدد الناطقين بها، أو من حيث عدد الكليات والمعاهد المنتشرة في مختلف ربوع البلاد، بالاضافة إلى وجود مؤلفين يكتبون باللغة الاسبانية ولهم العديد من الاصدرات في مختلف المجالات الأدبية والصحفية والفكرية، كل ذلك، برأيه، يتعين أن يكون محط إشادة بأمريكا اللاتينية.

وفي تقدير فاغني، فإن المغرب لا يدخر جهدا في سبيل تحقيق التقارب بين ضفتي المحيط الأطلسي، لا سيما من خلال مركز محمد السادس لحوار الحضارات بكوكيمبو بالشيلي، مبرزا أنه من وجهة نظر جيو استراتيجية يمكن للمحيط الأطلسي أن يشكل عامل ربط بين الجانبين باعتباره فضاء جغرافيا للسلام والتبادل ووحدة الشعوب.

وانطلاقا من كل ذلك، يوضح الأكاديمي الأرجنتيني، بين المغرب وأمريكا اللاتينية كثير من القواسم المشتركة التي يتعين إبرازها والتي من شأنها أن تساهم في خدمة المستقبل في شتى مجالات التعاون، التي يشكل فيها التعاون الثقافي مفتاحا أساسيا نحو الانغماس أكثر في اكتشاف مجالات أخرى لم يتم بعد استغلالها وهو ما سيمهد الطريق نحو إقامة علاقات أكثر عمقا بين المملكة وأمريكا اللاتينية.

ومن جهته، اعتبر الأكاديمي والأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد اللطيف ليمامي أنه إذا كان حضور المغرب بأمريكا اللاتينية في السابق لا يرقى إلى المستوى المطلوب، فقد أصبح اليوم للمملكة حضور وازن إن على المستوى الديبلوماسي أو الثقافي بعد أن أضحى المثقفون المغاربة يولون وجوههم شطر هذه المنطقة لتحقيق مزيد من التقارب وتبديد المسافات البعيدة.

وأورد في هذا السياق سلسلة من العوامل التي كان لها دور حاسم في تحقيق الحضور المغربي القوي بهذه القارة، وفي مقدمتها الزيارة الملكية التي قام بها جلالة الملك محمد السادس سنة 2004 إلى عدد من دول المنطقة، وهي الزيارة التي فتحت آفاقا جديدة ليس بالنسبة للمستثمرين ورجال الأعمال فحسب، بل أيضا بالنسبة للمثقف المغربي بصفة عامة.

وفي تقدير السيد ليمامي فإن هذا الحضور تعزز من خلال تعيين دبلوماسيين جدد لا يعوزهم لا التمكن اللغوي ولا الحنكة الدبلوماسية لتمثيل المغرب في هذه العواصم اللاتينية، مثمنا الدور الذي يضطلع به الجيل الجديد من الدبلوماسيين المغاربة بأمريكا اللاتينية في التعريف بالمملكة وبواقعها الثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.

كما أبرز الدور الهام الذي يقوم به مركز محمد السادس لحوار الحضارات باعتباره معلمة إشعاعية للمملكة ليس على مستوى الشيلي فحسب، بل في عموم بلدان أمريكا اللاتينية، متوقفا عند الدلالات التي ينطوي عليها مفهوم “حوار الحضارات” الذي يعكس وجود اختلافات دينية ولغوية وثقافية، بيد أن الحوار يظل أفضل السبل لتبديد المسافات وتقريب وجهات النظر المتباعدة أحيانا.

واعتبر الأكاديمي المغربي أن الثقافة تظل الجسر المتين الذي تعبر من خلاله الشعوب نحو فضاء التعارف والتفاعل، ومن هنا يبرز دور الترجمة في تحقيق التواصل، مشيدا بالعمل الترجمي الذي يضطلع به مركز محمد السادس لحوار الحضارات سواء من العربية إلى الاسبانية أو من لغة سيرفانتيس إلى لغة الضاد، مما فتح الباب أمام تبادل أوسع للرصيد الثقافي ولابداعات الأدباء من المغرب وأمريكا اللاتينية، اللذين كانا ينظران إلى بعضهما من وراء زجاجة لكن العمل الثقافي والترجمي بالأساس حطم الزجاجة وجعل الرؤية أكثر وضوحا لا تعتريها أية ضبابية.

أما الاستاذ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، حسن بوتكة، فشدد على أن مركز محمد السادس لحوار الحضارات له دور كبير في التقريب بين الشعبين المغربي والشيلي وأيضا الأمريكو لاتيني، مشيرا إلى أن المغرب وأمريكا اللاتينية يتقاسمان الكثير وهو المعطى الذي تم تأكيده من خلال قراءة وترجمة أدب أمريكا اللاتينية، مسجلا أن “قراءة أدب أمة ما يسمح باكتشاف هويته الحقيقية والدخول إلى أحلامه وهمومه و تقاليديه وطبخه ومعيشه اليومي”.

ويضيف أن الديبلوماسية الرسمية لن يكون بمقدورها أن تنغمس في عمق المجتمع والشعوب، إلا من خلال العمل الثقافي ومن خلال الأدب الذي يحتل المكانة الأبرز ضمن هذه المنظومة، باعتباره يرصد، في أدق التفاصيل، أحلام الشعوب وأحاسيسها بل حتى انكساراتها وانتصاراتها.

وفي هذا السياق، أكد أن العمل الترجمي الذي يتم من داخل الجامعة المغربية في إطار فرق بحث بالتعاون مع مؤسسات أجنبية يمثل الجسر الحقيقي للتواصل بين الشعوب، مبرزا على سبيل المثال، أن ترجمة النصوص القصصية من أمريكا اللاتينية كشف وجود اهتمام بالغ لدى القراء العارفين بالساحة الأدبية فكان لذلك أثرا كبيرا في تطور الكتابة السردية بالمغرب وساهم في انتاج غزير لجنس القصة القصيرة التي لم تكن حاضرة كما يجب ضمن المشهد الأدبي المغربي في السابق.

وعليه، يوضح بوتكة، يمكننا الجزم بالقول بأن الترجمة الأدبية بالتعاون مع المؤسسات الأجنبية الممثلة للدول يمكن أن تكون دعامة أساسية للعمل الديبلوماسي الثقافي، خاصة وأن الديلوماسي بات يدرك جيدا أن المثقف والأكاديمي بوسعه أن يكون شريكا له في تحقيق التقارب بين الشعوب.

ومن جانبه، دعا مولاي أحمد الكامون، الأستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة إلى تثمين الثقافة الأندلسية التي تعتبر صلة وصل بين ثلاث قارات وهي افريقيا وأوروبا وأمريكا، مشيرا إلى أن المغرب لا يكل من بذل الجهود في سبيل الرقي بهذا الموروث الأندلسي المشترك، لا سيما وأن دستور 2011 نص على أن المكون الأندلسي رافد من روافد الهوية المغربية.

وأضاف أن المغرب بمثقفيه يلعب دورا أساسيا في خلق جسور التواصل وإحياء التجربة الأندلسية بأمريكا اللاتينية، مشددا على ضرورة الرقي إلى مستوى العمل المشترك وأن يكون الأكاديمي إلى جانب الديبلوماسي والسياسي والاقتصادي منصهرين ضمن  مسفونية متناغمة لايعتريها نشاز، بل هي منظومة متكاملة الأطراف والأدوار.

وخلص إلى أن المغرب يزخر بطاقات شبابية من الباحثين المتخصصين في اللغة الاسبانية و في شؤون أميركا اللاتينية وآدابها، أخذت المشعل من الجيل الأول وتتطلع إلى غد أفضل ومستقبل أكثر إشراقا بين المغرب وأمريكا اللاتينية.

 

 

اقرأ أيضا

إقليم تطوان .. التزام ثابت للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية للنهوض بالتعليم الأولي

الخميس, 19 سبتمبر, 2024 في 23:24

تولي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية اهتماما كبيرا للنهوض بالتعليم الأولي بإقليم تطوان، خاصة في المناطق القروية الأكثر عزلة.

السيد أخنوش يترأس اجتماعا لهيئة التشاور حول السياسة المساهماتية للدولة

الخميس, 19 سبتمبر, 2024 في 22:57

ترأس رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، اليوم الخميس بالرباط، اجتماعا لهيئة التشاور حول السياسة المساهماتية للدولة، وذلك بحضور عدد من الوزراء المعنيين، طبقا لأحكام القانون رقم 82.20 المُحدِث للوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية.

المغرب أضحى نموذجا في مجال التحول الطاقي (سفير)

الخميس, 19 سبتمبر, 2024 في 22:42

أكد سفير المغرب بإيطاليا، يوسف بلا، أمس الأربعاء بروما، أن المغرب، بفضل قدرته على تنفيذ عدد من المشاريع الطموحة في مجال الطاقة المتجددة، أضحى نموذجا في مجال التحول الطاقي.