آخر الأخبار
“أنا لست عبدك”.. معركة الأفرو-أمريكيين ضد العنصرية بعيون أبرز قادتها

“أنا لست عبدك”.. معركة الأفرو-أمريكيين ضد العنصرية بعيون أبرز قادتها

الإثنين, 11 ديسمبر, 2017 - 11:41

                  (بقلم: عبد اللطيف أبي القاسم)

دكار – قبل بضعة أيام، كان السنغاليون، والشباب منهم على وجه الخصوص، على موعد مع واحد من الأعمال الفنية الكثيرة التي توثق للمعركة “الضارية” التي خاضها الأفرو-أمريكيون من أجل مناهضة السياسة العنصرية ضد السود ونيل الحقوق المدنية التي كانوا محرومين منها إبان فترة مظلمة من تاريخ الولايات المتحدة.

يتعلق الأمر هنا بفيلم وثائقي من توقيع المخرج الهايتي، راوول بيك، يحمل عنوان “آم نوت يور نيغرو” (أنا لست عبدك)، الذي صدرت نسخته الفرنسية في ماي 2017، ووجد طريقه للعرض، مؤخرا، بالمعهد الفرنسي وجامعة الشيخ انتا ديوب بدكار. 

ويؤرخ الفيلم لمرحلة الصراع العرقي في الولايات المتحدة، والذي كان السود ضحاياه، وذلك بعيون جميس بالدوين (1924-1987)، الكاتب والأديب الذي ارتضته هذه الفئة ناطقا رسميا باسمها في معركة الكرامة.

وتعود الفكرة وراء إنتاج هذا الفيلم (92 دقيقة) إلى رغبة المخرج في إتمام عمل بدأه الأديب بالدوين ولم يتمكن من إتمامه. ذلك أن الرجل كان يطمح في آخر حياته إلى تأليف كتاب حول ثلاثة من أصدقائه رواد الدفاع عن حقوق الأفرو-أمريكيين، هم ميدغر إيفرز، ومالكوم إكس، ومارتن لوثر كينغ، الذين عاش معهم فترة الكفاح، والذين دفعوا جميعا ثمن نضالهم واغتيلوا على يد الرجل الأبيض. وكان الكتاب سيحمل عنوان “تذكر هذا البيت” (ريمامبر ديز هاوس)، لولا أن الموت عاجل بالدوين في دجنبر 1987، ولم يحقق من طموحه سوى مخطوط غير مكتمل.

هذا المخطوط وجد طريقه إلى يد المخرج راوول بيك بعدما مكنته غلوريا، الأخت الصغرى لبالدوين من أرشيف الراحل، بما يضمه من صور عائلية، وكتابات ومراسلات ومذكرات شخصية كتبها منتصف سبعينات القرن الماضي، منها ما نشر ومنها ما لم ينشر قط، وكذا فيديوهات متلفزة لمشاركات بالدوين في البرامج التلفزية ولمرافعاته الجماهيرية.

يلمس المشاهد لوثائقي “أنا لست عبدك” حجم المسؤولية التي قبل المخرج أن يحملها على عاتقه، إذ إن الفيلم برمته لا يتضمن سوى مقاطع من كتابات ومقولات بالدوين دون توظيف كلمات أو آراء أي شخصيات أخرى. وهو أمر قال راوول بيك في صدده في إحدى لقاءاته الصحفية “لم أترك أحدا يتحدث باسم بالدوين أو يعطي أي رأي أو تأويل لمداخلاته.. لقد كان الفيلم بمثابة مغامرة بالنسبة لي. الأرشيف الذي حصلت عليه كان ثروة. قضيت أربع سنوات في دراسته من أجل تحديد المقاربة الصحيحة لإنجاز الفيلم”.

وبالفعل، فقد وظف الكاتب “الثروة” التي وقع عليها بشكل يسهم في تحقيق هدف بالديون الأصلي، وهو الكتابة عن أصدقاءه؛ إيفرز، ومالكوم، ولوثر كينغ، رواد معركة السود ضد الفصل العنصري الذين صنعوا تاريخ الولايات المتحدة إبان واحدة من أحلك فتراتها.

هذا الحرص من جانب المخرج على وضع المشاهد وجها لوجه أمام شخصية بالدوين،  وفتح المجال للتعرف عليه من دون وساطات، تجلى أيضا في اختيار صوت المتحدث الذي يتلو على طول الفيلم ما يقوله بالدوين في كتاباته. “حاولت أن يكون الصوت الذي يعد أحد العناصر الأساسية للفيلم قريبا جدا من صوت بالدوين. لم أشأ ترك أي مساحة للتمييز بين للصوتين”، يقول المخرج راوول بيك.

ويبدو أن اختيار المخرج لمؤدي الصوت كان ناجحا لحد بعيد (سواء في النسخة الإنجليزية أو النسخة الفرنسية). ذلك أن المتحدث بلسان بالدوين في الفيلم يجعل مشاعر المشاهد تتقلب حسب المقام. غضب وقت الغضب، صرامة وقت الصرامة. وشحنات التأثر أثناء قراءة مقاطع بعينها تشي بأن التقمص بلغ مداه، وبأن الحديث نابع من القلب ويعكس بدقة شعور كاتبه.

 ولعل ما زاد من درجة حرارة وتأثير صوت المعلق، تلك المشاهد التي يعرضها الفيلم بالموازاة مع ما يتلى من كلمات بالدوين. ومن ضمن هذه المشاهد تلك المسيرات التي كان الأفرو-أمريكيون يخرجون فيها عزلا في مواجهة قوات الأمن، ومشاهد الازدراء والسخرية التي كان العنصريون “البيض” يستقبلون بها هذه الفئة، وكذا مقاطع فيديو لرفاق الكفاح الذين وقفوا “في كل ساحات النضال” وسقطوا فيها دفاعا عن القضية التي آمنوا بها أجمعين.

هذا النجاح في اختيار الصوت واكبه نجاح على بقية مستويات السيناريو والإخراج، وجعل الفيلم يفوز بالعديد من الجوائز السينمائية، ويترشح للأوسكار سنة 2017 لجائزة أفضل فيلم وثائقي. وهو نجاح أجمعت عليه العديد من المراجعات والمحاولات النقدية التي طالته. 

ومن ضمن هذه المراجعات تلك التي نشرتها (نيويورك تايمز) غداة إصدار الفيلم، والتي جاء فيها أن فيلم “(أنا لست عبدك) مقدمة مشوقة لأعمال جيمس بالدوين، إنه درس استدراكي في التاريخ الأمريكي، ومحاضرة في السياسات العنصرية”.

وإذن، فإن الأمر يتعلق بدرس يقدمه بالدوين في التاريخ وللتاريخ. والمطلع على سيرة هذا الأديب لا بد أن تكون عينه قد وقعت يوما على مقولة له طالما لخصت هدفه في الحياة يقول فيها “أريد أن أكون رجلا شريفا وكاتبا جيدا”. 

ويبدو من خلال الصورة التي ينقلها فيلم “أنا لست عبدك” عن بالدوين أن الرجل بالفعل لم يخرج عن الإطار الذي رسمه لنفسه، ذلك أن كلماته ومكتوباته ما زالت تثبت صدقيتها، وتشهد بأنه بذل جهده في خدمة قضية كبرى ما زالت تتمظهر بشكل من الأشكال في العديد من مناطق العالم.

ولا يبدو أمرا صعبا على مشاهد الفيلم، وهو يتابع فصول معركة السود في الفيلم، ويسمع كلمات بالديون، أن يستحضر أحداثا مماثلة يعيشها إنسان القرن الحادي والعشرين. ولعل ما يؤكد هذا المعطى هو ما ينقل من تقارير عما يقع اليوم في المناطق الليبية التي توجد خارج نفوذ السلطة الشرعية من سلوكات استعبادية للمهاجرين المنحدرين من إفريقيا جنوب الصحراء، ويعانون من بطش المتاجرين في البشر، والصرخة تغازل حناجرهم “نحن لسنا عبيدكم”.

وإذن، فهي الصرخة نفسها تتكرر، حتى إنه ليتبدى أن الهدف من فيلم “أنا لست عبدك” ليس شيئا آخر سوى إيصال الرسالة لأجيال المستقبل، واستدامة المعركة ضد العنصرية وكل أشكال التمييز. إنها رسالة لخصها بالدوين خلال إحدى اللقاءات المتلفزة في جواب على سؤال حول ما إذا كان متشائما من مستقبل الأفرو-أمريكيين، فقال “لا يمكن أن أكون متشائما لأني ما زلت على قيد الحياة. أنا مجبر على أن أكون متفائلا”.

وفي واحد من المشاهد التي تبرز جدوى هذا التفاؤل من جانب بالدوين، يرصد الفيلم لقطة باراك أوباما، أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأمريكية، وهو يمسك بيد زوجته ميشيل أوباما، ويلجان معا البيت الأبيض، في مشهد ربما لم يكن بالدوين يتخيل أن يتحقق على هذا النوع، في وقت كان فيه السود محرومين حتى من حق التصويت والمشاركة في الانتخابات.  

هكذا إذن، يكون فيلم “أنا لست عبدك” قد نجح في تبليغ رسالة بالدوين بفعالية. كما يكون المخرج، راوول بيك، قد تحمل مسؤوليته على أحسن وجه. وفي هذا يقول بيك إن “ما كتبه بالدوين يفرض عليك شعورا بالمسؤولية الفردية والجماعية على حد سواء. إنه يضعك أمام تاريخك، ويقول لك إن بقية القصة بين يديك”.

اقرأ أيضا

اتفاقية إطار بين مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل ولافارج هولسيم المغرب بشأن التكوين في قطاع البناء

الخميس, 9 مايو, 2024 في 20:26

وقع مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل ولافارج هولسيم المغرب، اليوم الخميس بتامسنا، على اتفاقية إطار تهم تطوير عرض تكويني يلائم حاجيات مهنيي قطاع البناء.

مناقشة الحصيلة المرحلية للحكومة بمجلس المستشارين.. الأغلبية تثمن الإنجازات والمعارضة تنبه إلى نقائص وعثرات

الخميس, 9 مايو, 2024 في 19:23

تباينت مواقف الفرق البرلمانية الممثلة للهيئات السياسية والتنظيمات النقابية والمهنية بمجلس المستشارين، اليوم الخميس، حول الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، بين الأغلبية التي سجلت بإيجابية ما تحقق من إنجازات على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، والمعارضة التي نبّهت إلى نقائص اعترت العمل الحكومي.

اتفاقية بين المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وتحالف استدامة الطاقة الكهرومائية من أجل استدامة المنشآت الكهرومائية في المغرب

الخميس, 9 مايو, 2024 في 18:37

وقع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وتحالف استدامة الطاقة الكهرومائية، أمس الثلاثاء بالدار البيضاء، مذكرة تفاهم تهدف إلى تعزيز استدامة المنشآت الكهرومائية بالمغرب خاصة فيما يتعلق بمحطات تحويل الطاقة عن طريق الضخ.

MAP LIVE

MAP TV

الأكثر شعبية