ارتفاع معدلات الفقر يعمق جراح الفنزويليين في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة

(إبراهيم صلاح الدين أمحيل)

كراكاس – زاد اتساع رقعة الفقر في فنزويلا من تعميق جراح الفنزويليين الذين يعانون من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، يبدو أنها لا تزيد إلا استفحالا، وذلك بحسب ما كشفت عنه دراسة أجرتها أهم الجامعات الفنزويلية والتي أكدت أن الفقر بات يشمل 87 في المائة من ساكنة هذا البلد الجنوب أمريكي.

ووفقا لنتائج هذه الدراسة التي صدرت بحر الأسبوع الجاري، فإن تدهور الأوضاع المعيشية للأسر الفنزويلية، منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية قبل أربع سنوات، كان “مهولا”، مؤكدة أن معدلات الفقر، انتقلت بين 2014 و 2017، من 4ر48 في المائة إلى 87 في المائة وأن ثمانية ملايين فنزويلي من أصل ساكنة تقدر بنحو 32 مليون نسمة لا يستهلكون سوى وجبتين، أو أقل، يوميا.

وسجلت ماريانيلا هيريرا، المتخصصة في الأغذية بالجامعة المركزية لفنزويلا، أن 9 فنزويليين من أصل 10 لا يتوفرون، في ظل هذا الوضع، على الموارد التي تمكنهم من التزود بالغذاء، مبرزة أن 64 في المائة من المستجوبين في إطار هذه الدراسة فقدوا ما معدله 11 كلغ من أوزانهم خلال العام الماضي.

ويبلغ مجموع الحد الأدنى للأجور والمنح الغذائية بفنزويلا 797510 بوليفار، وهو ما يعادل 32 دولارا، ولا يكفي هذا الغلاف المالي لشراء كيلوغرامين من اللحم في بلد تعصف به أزمة اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة.

وصرح 61 في المائة من المستطلعة آراؤهم في هذه الدراسة، أنهم يخلدون إلى النوم وهو يتضورون جوعا لانعدام الطعام بمنازلهم، فيما أكد 90 في المائة أن مداخيلهم لا تكفي لشراء الأغذية الضرورية. ويعاني الأطفال أكثر من غيرهم من هذا الوضع، حيث توقف ثلاثة من أصل كل أربعة أطفال معوزين ينتمون الى الفئة العمرية ما بين 3 و17 سنة عن الذهاب الى المدرسة بسبب انعدام الأغذية.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد حذرت، في أواخر يناير الماضي، من تزايد عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية بفنزويلا بسبب الأزمة الاقتصادية المتواصلة التي تضرب البلاد.

وأضافت أنه على الرغم من أن الأرقام الدقيقة ليست متوفرة بسبب المعطيات الرسمية المحدودة حول الصحة والتغذية، توجد مؤشرات مؤكدة تبرز أن الأزمة تحد من ولوج الأطفال إلى الخدمات المتعلقة بالصحة والأدوية والأغذية الجيدة، داعية إلى تفعيل سريع للاستجابة على المدى القصير لظاهرة سوء التغذية.

وجددت اليونيسيف رغبتها في تعزيز دعمها للحكومة والمجتمع المدني من أجل التقليص من أثر الأزمة على الأطفال الأكثر هشاشة وتوسيع المراقبة الغذائية على مستوى الساكنة وخدمات أخرى من أبرزها تعزيز الرضاعة.

ولا تقتصر تداعيات الأزمة الغذائية بفنزويلا على الانسان، بل تشمل الحيوانات أيضا، ففي حديقة ولاية زوليا، يعاني نحو ألف حيوان من ندرة الأغذية، بحسب يومية “بانوراما” المحلية.

ولا يتم إطعام الأسود والنمور إلا مرة واحدة في الأسبوع، وتموت العديد من الحيونات اللاحمة في أقفاصها، ويتم أحيانا قتل حيوان ما وتقديمه كغذاء لباقي الحيوانات، وفقا للصحيفة ذاتها.

وكما لو كانت أزمة الغذاء غير كافية، يتفاقم الصراع السياسي في أعقاب دعوة الرئيس نيكولاس مادورو، الأربعاء الماضي، إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، قبل نحو عامين من موعدها، لاقتراع أعضاء البرلمان، السلطة الوحيدة التي تسيطر عليها المعارضة بفنزويلا.

واقترح مادورو تقديم موعد الانتخابات التشريعية لتجديد أعضاء البرلمان مؤكدا أن الانتخابات الرئاسية ستعقد في جميع الأحول، سواء بمشاركة “طاولة الوحدة الديمقراطية”،أبرز ائتلاف معارض،  أو من دونها، واستبعد الائتلاف المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقررة في 22 أبريل المقبل، في ظل الظروف الحالية.

وعلى الصعيد الإقليمي، لا ترتبط حكومة مادورو بعلاقات جيدة مع جيرانها كما يبرز ذلك قرار الحكومة البيروفية المتعلق بسحب الدعوة التي وجهتها للرئيس الفنزويلي من أجل المشاركة في قمة الأمريكتين المقررة بليما يومي 13 و14 أبريل المقبل.

و بحسب رسالة بعثت بها وزيرة العلاقات الخارجية البيروفية، كايتانا ألخوفين، إلى نظيرها الفنزويلي، خورخي أريزا، فقد تقرر سحب الدعوة التي كانت قد وجهتها البيرو إلى مادورو لحضور أشغال قمة الأمريكتين. وهو القرار الذي تم اتخاذه من قبل الرئيس البيروفي، بيدرو بابلو كوشينسكي، و طبقا لإعلان كيبيك الذي اعتمده مؤتمر القمة الثالثة للأمريكتين سنة 2001.

و كانت البيرو قد أعلنت، مؤخرا ، أن حضور الرئيس الفنزويلي للمشاركة في القمة الثامنة للأمريكتين “لن يكون موضع ترحيب”، و هو القرار الذي تؤيده مجموعة ليما، التي التأمت بالعاصمة البيروفية و تدارست دعوة الحكومة الفنزويلية لإجراء انتخابات سابقة لأوانها.

و في هذا الصدد، دعت دول المجموعة كراكاس إلى إعادة النظر في الدعوة إلى إجراء هذه الاستحقاقات التي “ستفتقر إلى الشرعية والمصداقية” و لا يمكن أن تكون “ديمقراطية وشفافة وذات مصداقية”.

و أشارت مجموعة ليما إلى أنه “لا يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل وجود سجناء سياسيين، و دون المشاركة الكاملة للأحزاب السياسية والقادة المحتجزين أو الذين تم تجريدهم من الأهلية بشكل تعسفي و كذا وجود سلطة انتخابية تحت سيطرة الحكومة، و دون مشاركة الملايين من الفنزويليين في الخارج”.

وعبر أعضاء المجموعة، التي تتشكل من دول الأرجنتين وكندا والشيلي وكولومبيا وغواتيمالا وهندوراس والمكسيك وبنما والبارغواي والبيرو وسانتا لوسيا والبرازيل وكوستاريكا وغويانا، في بلاغ مشترك صدر في أعقاب الاجتماع، عن “رفضهم الشديد” الإعلان عن الدعوة إلى هذه الانتخابات، و أكدوا أنها لا يمكن أن تكون “ديمقراطية وشفافة وذات مصداقية”.

من جهته، أعرب لويس فروليدو، رئيس لجنة السياسة الخارجية بالبرلمان الفنزويلي، عن دعم الهيئة التشريعية الفنزويلية للإعلان الأخير لمجموعة ليما ووصفه ب “الحازم والحيوي”.

وبينما تغرق البلاد في مأزقها، لم يبقى أمام الفنزويليين من خيار غير مغادرة بلدهم بحثا عن أوضاع معيشية أفضل في الخارج حيث استقبلت كولومبيا وإلى غاية 31 دجنبر الماضي، نحو  600 ألف فنزويلي، بحسب احصائيات نشرتها مؤخرا الحكومة الكولومبية والمنظمة العالمية للهجرة.

ووفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 133 ألف فنزويلي قد طلبوا اللجوء في الخارج ما بين 2014 و 2017، فضلا عن 363 ألفا آخرين استفادوا من “بدائل قانونية” وفرتها لهم دول أمريكا اللاتينية.

وتغرق فنزويلا، التي تتوفر على احتياطيات نفطية كبيرة، في أزمة اقتصادية وسياسية مرشحة للتفاقم بشكل أكبر في أفق تضخم يتوقع أن يصل إلى 13000 بالمائة سنة 2018، وفقا لصندوق النقد الدولي، فيما بلغت شعبية مادورو مستويات متدنية جدا تعكسه رغبة 70 في المائة من المواطنين في رحيله.