استحقاق رابع شتنبر .. صعود فاعلين جدد

(بقلم: خالد بركة)

الرباط- شكلت الانتخابات الجماعية والجهوية التي شهدها المغرب في الرابع من شتنبر الجاري، والتي تعد الاولى من نوعها في ظل دستور سنة 2011 علامة فارقة في المشهد السياسي الوطني، من حيث بروز فئة جديدة من المرشحين الذين يدخلون غمار الاستحقاقات الانتخابية لأول مرة في مسارهم، بحيث بلغت نسبتهم 72 بالمائة من العدد الإجمالي للمرشحين في هذه الانتخابات المزدوجة.

ويعد هذا الانخراط القوي لفئة جديدة من المرشحين في المشهد السياسي، رغبة حقيقية للمواطنين في الانخراط في تدبير الشأن المحلي ودخول العمل السياسي من أوسع أبوابه.

ويعكس الحضور المتزايد والملحوظ لهذه الشريحة من المجتمع إرادتها الصلبة والقوية في الولوج إلى مواقع صنع القرار على الصعيد المحلي. وبحسب نتائج الاقتراع، فقد تم انتخاب 15028 منتخبا جديدا أي ما يمثل نحو نصف العدد الإجمالي للمنتخبين المحليين. أما على صعيد الانتخابات المتعلقة بمجالس الجهات، فقد تم انتخاب 242 ناخبا جديدا أي ما يمثل ثلث عدد المنتخبين الجهويين.

ولا يسع الملاحظ، إلا الوقوف بشكل جلي وواضح على حقيقة أكيدة، تتمثل في أنه بالرغم من بعض الدعوات “المغرضة ” التي حرصت على التأثير في الناخبين ودفعهم نحو مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية، من خلال ” ترديد أسطوانة مشروخة تقوم على تبخيس دور المنتخبين المحليين وانتقاد مردوديتهم وأدائهم على مدى السنوات الماضية”، فإن وعي المواطنين كان أكبر وأعمق من كل ذلك، حيث ظلوا متشبثين بالأمل والرغبة في النهوض بمستقبل بلدهم، ولاسيما منهم الشباب المتعطش إلى استلام المشعل وممارسة حقه في الانتخاب والترشيح.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى ارتفاع عدد المرشحين الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة بنسبة ثلاثين بالمائة من العدد الإجمالي للمرشحين.

والأكيد أن تجديد وتشبيب قوائم المرشحين، إلى جانب تطور مستواهم التعليمي والثقافي، ساهم بشكل كبير وواضح في ضخ دينامية جديدة في الانتخابات الأخيرة، وذلك بفضل جيل جديد يتحلى بالحماس والطموح، عازم على دخول غمار مسؤولية تدبير الشأن المحلي والجهوي، والقطع مع الممارسات السابقة التي ميزها النفور من العمل السياسي وتفضيل أسلوب الكرسي الفارغ، وهو النهج العقيم الذي ساد ردحا طويلا من الزمن.

وكان صاحب الجلالة الملك محمد السادس، قد أوضح في خطاب إلى الشعب المغربي بمناسبة الذكرى الثانية والستين لثورة الملك والشعب، أنه “مما يبعث على الارتياح، تزايد عدد الناخبين، الذين قاموا بالتسجيل في اللوائح الانتخابية، لأول مرة، رغم أنهم كانوا لا يشاركون في الانتخابات، بسبب عدم رضاهم على عمل المجالس المنتخبة”.

وأضاف جلالة الملك ” لكنهم اليوم يريدون ممارسة حقهم وواجبهم الوطني. إلا أن أغلبهم يتساءلون، لمن يعطون أصواتهم، وفي من يضعون ثقتهم (…)وهو ما يتطلب من الأحزاب والمرشحين، العمل على إقناعهم، بجديتهم وجودة وواقعية برامجهم، وتوضيح الرؤية أمامهم، وحسن التواصل معهم “.

والواقع، أن الأمر يتعلق بمعطى هام من شأنه أن يدعم ويقوي مسار تعزيز تمثيلية الشباب والأطر الكفأة والمختصة على مستوى الهيئات المنتخبة.

وفي هذا السياق فقد شكل عدد المرشحين الحاصلين على شهادة عليا أو من مستوى التعليم الثانوي نحو 82 بالمائة من إجمالي عدد المرشحين الذين خاضوا غمار الانتخابات، وهو ما يعد “إشارة قوية” على طبيعة تشكيلة المجالس الجهوية القادمة، ولاسيما في ضوء الصلاحيات الهامة التي أضحت تتمتع بها هذه المؤسسات.

ومن المؤكد أنه في ظل النتائج التي تمخضت عنها هذه الانتخابات، فإن رهان مختلف الأحزاب السياسية أضحى، يتمثل بشكل خاص في إفراز نخب محلية جديدة قادرة على تدبير الشأن المحلي بكل مسؤولية وجدية. ولعل من شأن الحضور الهام للشباب في المشهد السياسي، والذي بدأت تنتبه إليه الأحزاب السياسية وإن بشكل متأخر، أن يضخ نفسا جديدا وإيجابيا في هذه التشكيلات والهيئات ويساهم بشكل كبير في تجديد وتحديث خطابها السياسي.

كما أن انخراط الشباب في تدبير الشأن المحلي، يعكس رؤية أكبر وأشمل للممارسة الديمقراطية، من شأنها بث روح جديدة ومتجددة في المسار الديمقراطي ، إلى جانب الحرص على تمثيل جزء من تطلعات المواطنين.