الانتخابات البلدية التونسية: بداية العد التنازلي

بقلم: محمود القلعي

تونس- بدأ في تونس العد التنازلي للانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في 6 ماي المقبل بعد أن انتهى أمس الخميس أجل إيداع القوائم المرشحة لانتخاب أولى المجالس البلدية منذ أحداث عام 2011.

وعلى الرغم من كونها تبدو ضرورية لتولي إدارة الشؤون المحلية، فإن هذه الانتخابات تثير مع ذلك مخاوف بالنظر إلى “طابعها المعقد والانتقائي جدا”، والذي انتقدته الأغلبية والمعارضة على حد سواء، خصوصا في ما يتعلق بتركيبة القوائم والشروط المفروضة على المرشحين المحتملين أو بطريقة تشكيل القوائم التي وصفت بـ”الصارمة”.

وقد اعترفت الأحزاب السياسية، بما في ذلك الحزبان الحاكمان (حركة النهضة ونداء تونس)، ومنظمات المجتمع المدني، وخاصة تلك التي تتولى مراقبة الانتخابات بعدم القدرة على التعبئة وعزت ذلك إلى الشروط الصارمة للترشح ضمن القوائم الانتخابية.

وتعود هذه الصعوبات إلى الشروط التي يفرضها القانون الانتخابي، على غرار التناصف الأفقي والعمودي و ضرورة وجود شباب و أشخاص ذوي إعاقة، وهي أمور وإن كانت محمودة وفقا للمراقبين، فإن تطبيقها ثم التحقق منها من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئات الجهوية سيكون معقدا وبطيئا.

وتهم هذه المخاوف أيضا ما وصف بـ”الكمائن” التي يرى الاتحاد المدني الذي يتكون من أحد عشر حزبا سياسيا، والذي سيشارك في الانتخابات البلدية في قوائم مشتركة في 48 دائرة انتخابية، أنها ترتبط بالمناخ العام السائد في البلاد حيث توجد مخاطر تهدد العملية الانتخابية.

هذه التدابير والشروط دفعت، على سبيل المثال، بحزب الاتحاد الوطني الحر، رغم كونه حل في المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية الأخيرة لعام 2014، إلى الإعلان عن انسحابه من هذه الانتخابات التي تم تحديد أوجه تنظيمها لكنها تظل رهينة بمناخ اجتماعي وسياسي ملائم.

وبالإضافة إلى هذه الشروط، فإن كل حزب سياسي، مطالب من أجل الحصول على مقاعد في 350 بلدية، بتقديم قوائم تضم 7280 مرشحا دون احتساب قوائم تكميلية تشمل ما لا يقل عن 1000 شخص في بلديات تتباين التمثيلية فيها بين 12 و 60.

ويفرض القانون الانتخابي وجود ثلاثة مرشحين دون الخامسة والثلاثين من العمر مع احترام مبدأ التناصف بين الرجال والنساء، الأمر الذي جعل الأحزاب تخوض سباقا محموما من أجل جذب مرشحين “مستقلين”، وكذا شخصيات نشيطة ومعروفة بمصداقيتها لدى سكان مدنها.

معظم هؤلاء المستقلين الذين يُمثلون الثلث في القوائم المقدمة، يدورون في فلك حزبي نداء تونس وحركة النهضة الحاكمين.

ولم تخرج أحزاب المعارضة عن هذه القاعدة بإعلانها أنها ستخوض هذا الموعد الانتخابي بقوائم مشتركة تضم مرشحي “المسار” و “مشروع تونس” و “الجمهوري” ، و”تونس أولا” على سبيل المثال بالإضافة إلى شخصيات مستقلة ذات إشعاع وحضور على صعيد الجهات.

وبحسب المحلل السياسي شوقي عبيد، فإن القوائم المستقلة التي “يعكس عددها الكبير الفراغ الذي خلفته الأحزاب السياسية في مختلف جهات البلاد”، يمكن أن تحدث المفاجأة خلال هذه الانتخابات.

وأوضح “أن بعض الجهات لم تعد لديها ثقة فى الأحزاب وترفض هيمنتها على المجالس البلدية القادمة. أما القوائم المستقلة التى شكلها أفراد يتمتعون بثقة معينة فى مناطقهم فلديهم حظوظ قوية للفوز في الانتخابات”.

واعتبر المحلل أن من شأن مثل هذا السيناريو أن يشكل ضربة قوية للأحزاب السياسية وتمثيليتها، مضيفا أن هذا العدد الكبير من القوائم هو في الواقع مؤشر صحي يدل على أن التونسيين قادرون على تنظيم أنفسهم بعيدا عن الاستقطاب.

وبالنسبة للعديد من الأحزاب، فإن العمل البلدي، الذي یتم التعامل معه كأحد المتطلبات الدستوریة ورهان انتخابی أكثر من كونه وظیفة أساسیة للقرب مُفتقدة بشکل کبیر منذ أحداث عام 2011، مقبل في 6 مای على نقطة تحول تاريخية “قد تكون أشبه بلحظة عاصفة بدل أن تكون عيدا انتخابيا”.