الجهوية الموسعة آلية ناجعة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. جهة الرباط سلا القنيطرة نموذجا

(بقلم عبدالله امشانة)

  الرباط  – تعتبر جهة الرباط سلا القنيطرة قطبا اقتصاديا وازنا، بالنظر لما تزخر به من مؤهلات فلاحية وصناعية وخدماتية وسياحية، وفاعلا أساسيا في تحقيق التنمية الجهوية، مع أن أكبر تحد يواجه الجهة يكمن في الرفع من مؤشرات التنمية البشرية، والتقليص من نسبة الفقر والبطالة المسجلة بها.

   وبفضل عدة مبادرات استثمارية وصناعية اتخذت على أعلى مستوى أصبحت الجهة تستقطب شركات دولية رائدة في مجال صناعة السيارات والطيران والصناعات الغذائية والخدمات، وهو ما تواكبه بخلق مناطق صناعية هامة، وبمخططات استثمارية ضخمة تضم بنيات تحتية مينائية وطرقية وسككية مهيكلة، لضمان مساهمة فاعلة في خلق الثروة على الصعيد الوطني.

   وإذا كان المغرب يراهن على جعل صناعة السيارات قطاعا متكاملا، قادرا على تحقيق نحو 100 مليار درهم ورفع عدد السيارات المصنعة والمصدرة به نحو الخارج من 400 ألف سيارة، إلى 800 ألف بحلول العام 2020، فإن الجهة وبفضل المؤهلات التي تزخر بها تساهم في هذا المجهود من خلال استقطابها لكبريات المجموعات عالمية من قبيل “بيجو – ستروين” ، التي أقامت مصنعا لها بالمنطقة الحرة الأطلسية بالقنيطرة على مساحة تقدر بأكثر من 64 هكتار، وبقيمة استثمارية تقدر بستة ملايير درهم.

    وفي هذا الصدد، أكد أستاذ المالية بجامعة محمد الخامس بالرباط ومدير المجلة الدولية للمالية، عمر العسري، أن جهة الرباط-سلا-القنيطرة أصبحت تتوفر على إمكانيات ومؤهلات اقتصادية وقطاعية متنوعة وواعدة ينبغي استثمارها بشكل أمثل للرفع من مساهمة الجهة في خلق الثروة في بعدها التنموي، خاصة عبر المراهنة على النهوض بقطاعات الخدمات والفلاحة والصناعة.

   وأوضح الأكاديمي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الجهة تزخر بعدة قطاعات اقتصادية ذات القيمة المضافة العالية التي ينبغي العمل على تقويتها ومواكبتها، لافتا إلى أن هذه الجهة ساهمت بنحو 16 في المائة في الناتج الوطني الإجمالي سنة 2014، (مقابل 2ر32 في المائة بالنسبة لمساهمة جهة الدار البيضاء)، وذلك استنادا إلى الإحصائيات التي قدمتها المندوبية السامية للتخطيط في ما يخص مساهمة الجهات في الإنتاج الداخلي الإجمالي وفي خلق الثروة، وهو ما يبين أن الجهتين المذكورتين ساهمتا معا خلال تلك السنة بما مجموعه 48,2 في المائة من الناتج الوطني الإجمالي.

   واعتبر ذات المتحدث أن احتلال جهة الرباط-سلا-القنيطرة المرتبة الثانية على مستوى حصة المساهمة في الإنتاج الوطني، يعزى في المقام الأول إلى التوسع الجغرافي الذي عرفته بعد ضمها لمنطقة الغرب شراردة بني لحسن التي كانت تشكل جهة مستقلة قبل التقسيم الجديد، لافتا إلى أن هذه المنطقة أصبحت تتميز، إلى جانب إمكانياتها الفلاحية، بمساهمة وازنة في مجال الصناعة، وكذا بتسارع وتيرة نمو المدن والمجال الحضري بأهم مدن الجهة على مستوى الكثافة السكانية.

   وخلص المتحدث أن موقع الجهة ومؤهلاتها السكانية واندماجها مع جهة الغرب شراردة بني حسن تعد كلها من المقومات الكفيلة بتطوير مختلف أنواع الأنشطة الاقتصادية والصناعية والفلاحية والسياحية والخدماتية، موضحا أن التحدي الأكبر المطروح على صعيد الجهة يرتبط بتحسين مؤشرات التنمية الاجتماعية بالجهة، وذلك من خلال نهج مقاربة تشاركية مندمجة توحد جهود مختلف الفاعلين الجهويين.

   وحسب العديد من الفاعلين المحليين، فإن الجهة تتوفر على إمكانيات بشرية وطبيعية وصناعية ينبغي استثمارها بالشكل الذي يمكن من تحقيق تنمية مستدامة ويحسن القدرة التنافسية والاستقطابية للجهة، مع الحرص في نفس الآن على جلب الاستثمارات الداخلية والخارجية، بما يجعل الجهة أداة ناجعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

   من جانبه، أكد مهدي الفقير خبير في تحليل السياسات والاستراتيجيات وأستاذ محاضر بمجموعة المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات أن جهة الرباط سلا القنيطرة تعد اقتصاديا واستثماريا جهة واعدة وينبغي دعم هذه الدينامية سواء عن طريق القطاع الخاص أو المؤسساتي، لافتا إلى أنه ينبغي أيضا إخراج مدينة الرباط من الطابع الذي ظل لصيقا بها كعاصمة إدارية، وذلك عبر تأهيل بنياتها السياحية والثقافية والنهوض بنسيجها الصناعي والخدماتي وخلق أقطاب صناعية مندمجة.

 واعتبر في ذات السياق، أن مدينة القنيطرة أصبحت تفرض نفسها كقبلة لاستقطاب مشاريع ضخمة لصناعة السيارات والطيران، لتستطيع تكسير تلك الصورة التي كانت تختزلها في كونها منطقة فلاحية وغابوية فقط. وأوضح أنه بفضل عدة مبادرات استثمارية وصناعية أصبحت عاصمة الغرب تحتضن شركات دولية رائدة في مجال صناعة السيارات والطيران، إلى جانب مناطق صناعية هامة، مشيرا إلى أن هذا التوجه استوجب وضع مشاريع مينائية وطرقية وسككية مهيكلة، وهو ما يؤشر على إمكانيتها في المساهمة الفاعلة في خلق الثروة على الصعيد الوطني.

   وشدد الخبير على أن الثروات الفلاحية والزاعية والغابوية الهامة بمدينة القنيطرة، لم تواكب بمجهود من أجل إنشاء قطب صناعي موجه للصناعات الغذائية لتثمين هذه المنتجات الفلاحية، معتبرا أن النهوض بالصناعات الغذائية سيسهم لامحالة في إرساء نموذج تنموي محفز على خلق الثروة ويقلص من الفوارق المجالية، لاسيما في الأوساط القروية للإقليم.

   ودعا إلى إعادة النظر في المقاربة المعتمدة بشأن النموذج الاقتصادي بالجهة، موضحا أن قطاع الوظيفة العمومية الذي يتمركز في الرباط لا يمكنه خلق الثروة، لافتا إلى أنه في غياب سياسات اقتصادية واستثمارية وتشغيلية وازنة فإن فئات واسعة من ساكنة الجهة ستبقى بعيدة عن قطف ثمار التنمية بمفهومها المستدام سواء في القرى أو المدن، سيما وأن هذا النموذج المتسم بالمركزية أبان، وطنيا وإقليميا، عن محدوديته في خلق الثروة وفرص الشغل وعن اختلالات في تدبير الشأن المحلي.

   وخلص الباحث إلى أن تطبيق الجهوية الموسعة على صعيد الجهة سيكون له أثر كبير في النهوض بالوضع الاقتصادي والاجتماعي بالجهة، ذلك أن هذا المنظومة التدبيرية ستخول للجهات – بعد تمكينها من الموارد المالية وآليات الاشتغال الضرورية – كامل الصلاحيات في وضع البرامج والمبادرات الرامية إلى النهوض بالتنمية المجالية.