الحوار الاستراتيجي بين الهند والصين .. آلية مهمة لتجاوز القضايا الخلافية بين عملاقي القارة الآسيوية

  ( سعد أبو الدهاج )

    نيودلهي – يعتبر الحوار الاستراتيجي بين الهند والصين، الذي تنطلق أعماله يوم الأربعاء، آلية مهمة وموازية من شأنها المساعدة على تجاوز القضايا الخلافية بين عملاقي القارة الآسيوية، والمضي قدما نحو تعزيز العلاقات بين البلدين.

    ويشكل الحوار الاستراتيجي بين نيودلهي وبكين خطوة إضافية لإرساء أسس متينة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين عملاقي القارة الآسيوية، في ظل موجات مد وجزر تعكر صفو العلاقات السياسية بينهما منذ عقود عديدة .

    وتتجلى أهمية هذا الحوار في مسار العلاقات بين الجانبين في كونه يعد فرصة سانحة لتحديد، بشكل كبير، مستقبل العلاقات بين بلدين جارين ومتنافسين، على الصعيدين الإقليمي والدولي، بالنظر إلى أنهما يعدان في الوقت الراهن من القوى المهمة في العالم وفي القارة الآسيوية.

    وينعقد هذا الحوار الاستراتيجي في ظل حالة من الفتور والتوتر الذي يشهده المناخ السياسي بين الهند والصين، ما يجعل انعقاد هذا اللقاء مناسبة مواتية لإعطاء نفس جديد للعلاقات بين نيودلهي وبكين في ظل حرص الطرفين على إيجاد الصيغة المثلى التي تمكنهما من الانفتاح أكثر على بعضهما البعض في عدد من القطاعات .

    وسيبحث سكرتير وزارة الشؤون الخارجية الهندية، سوبرامانيام جاي شانكار، مع نائب وزير الخارجية الصيني، تشانغ يه سوي، القضايا ذات الاهتمام المشترك والمتعلقة بالمجال الثنائي والإقليمي والدولي، في إطار هذا الحوار الاستراتيجي الذي اتفق الجانبان معا على إطلاقه خلال زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى الهند في غشت المنصرم.

    واعتبر المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الهندية فيكاس سواروب، في تصريح صحفي، أن “الفكرة هي أنه من خلال آلية الحوار الاستراتيجي بين الهند والصين، يمكن للطرفين معا اعتماد نظرة شمولية للعلاقة بينهما، والتوصل إلى حلول لمعالجة الاختلاف في وجهات النظر في عدد من القضايا”، لعل أبرزها قضية ولوج الهند للمجموعة الدولية لموردي المواد النووية وقضية رفض إدراج زعيم إحدى المنظمات المناوئة للهند في قائمة الإرهاب لدى الأمم المتحدة.

    وكانت السلطات الهندية قد وجهت انتقادات لنظيرتها الصينية بشأن مقترح قدمته الولايات المتحدة، في 19 يناير المنصرم، برعاية بريطانية وفرنسية، لإدراج اسم مسعود أزهر، زعيم جماعة (جيش محمد) والمتهم من قبل نيودلهي بالتخطيط لعدد من الهجمات الإرهابية، على قائمة الإرهاب لدى منظمة الأمم المتحدة، غير أن المقترح واجه معارضة شديدة من قبل الصين.

    كما تجددت حالة الفتور والتوتر بين البلدين عندما عارضت الصين، في وقت سابق، حصول الهند على عضوية المجموعة الدولية لموردي المواد النووية، بالرغم من تأكيدات سلطات نيودلهي على أنها استوفت المعايير القانونية لدخول المنظمة، وكذا الدعم الكبير الذي لقيه الملف الهندي من قبل عدد من القوى الدولية الكبرى .

    من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قنغ شوانغ، في تصريح صحفي، أن الحوار الاستراتيجي بين الصين والهند هو بمثابة آلية اتصال هامة بين البلدين، ومن شأنه تعزيز الثقة السياسية المتبادلة وتوسيع مجال التفاهم الاستراتيجي المشترك وتوطيد العلاقات المستقبلية .

    ويرى عدد من المحللين أن الهند والصين، باعتبارهما أقوى اقتصادين صاعدين في العالم خلال السنوات الأخيرة، مدعوان إلى إيلاء قدر أكبر من الأهمية لتطوير علاقتهما الثنائية في جميع المجالات، وبذل جهود أكبر لضمان عدم انحراف هذه العلاقة عن مسارها بسبب عدد من المشاكل بينهما، لاسيما النزاعات الحدودية القائمة بين البلدين منذ أمد طويل.

    وتبرز أهمية التعاون بين البلدين في كون الصين (مصنع العالم) والهند (مزود الخدمات في العالم)، يضمان 35 في المئة من سكان المعمور ويتوفران على مؤهلات وإمكانيات اقتصادية هائلة في مجالات التصنيع والخدمات المالية والتكنولوجيا فائقة الدقة، إضافة إلى أن البلدين، العضوين في عدد من المنظمات الدولية، يمكنهما التعاون والتنسيق بشكل وثيق ضمن الفضاءات الإقليمية لتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية وتحسين معيشة شعبيهما .

    ولهذا السبب، يعتقد الكثيرون أن تعاونا فعالا واستراتيجيا بين الهند والصين سيشكل بالتأكيد فرصة للجانبين معا لدعم قدراتهما على نحو أفضل، غير أن القيام بذلك يستلزم، في المقام الأول، توصل البلدين الجارين إلى تسوية سلمية وعادلة ودائمة لخلافاتهما، تدعم علاقات الصداقة العريقة بين شعبي البلدين من أجل تعاون أكبر في المستقبل .