الدنمارك نموذج للتحول الأخضر المنشود

(عمر عاشي)
كوبنهاغن- بدأت الدنمارك منذ فترة طويلة انتقالها الأخضر لتؤكد اليوم أنها نموذج يحتذى في هذا المجال، وذلك على الخصوص من خلال تطوير الطاقة الريحية واعتماد حلول مبتكرة لتدبير المياه، والاستعمال واسع النطاق للدراجة الهوائية واحترام المعايير البيئية المتقدمة في البناء، والتخطيط الحضري أو الصناعة.

وتعد الدنمارك رائدة في مجال الطاقات المتجددة، وتعتبر أنها تتضمن، خصوصا بسبب الأخطار التي تتسبب فيها ظاهرة الاحتباس الحراري، أكثر من أي وقت مضى العديد من فرص الابتكار والاستثمار.

وتشير مجموعة البحث الألمانية “جيرمانواتش” وشبكة العمل للمناخ، إلى أن الدنمارك تعطي “المثال على بلد صناعي لا يقدم الوعود بل يظهر قدرته على اعتماد سياسة طموحة في مجال الطاقات المتجددة”.

وفي آخر تقرير لهما صدر على هامش المؤتمر الأخير لأطراف اتفاقية المناخ في بيرو، كرست المنظمتان هذا البلد الاسكندنافي على أنه أكثر البلدان فعالية من ضمن 58 بلدا مسؤولا عن 90 في المائة من الانبعاثات العالمية لغازات الاحتباس الحراري.

وتحتل الدنمارك هذه المكانة الرائدة للسنة الثالثة على التوالي، باعتبار اعتمادها استراتيجيات طموحة من أجل الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري مثل الفحم والغاز والنفط.

ويأخذ هذا التصنيف بعين الاعتبار أيضا تطوير الطاقات المتجددة والجهود المبذولة من أجل الاقتصاد في استعمال الطاقة.

هذا الاعتراف يعد جد هام بالنسبة لهذا البلد الاسكندنافي في الوقت الذي يسعى فيه المجتمع الدولي لإعطاء دفعة جديدة للمفاوضات بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري الجارية منذ فشل مؤتمر كوبنهاغن في سنة 2009.

ويصنف هذا البلد، الذي يقطنه فقط 5.6 مليون نسمة، الأول ضمن القائمين على الجهود العالمية الرامية إلى تسهيل التوصل إلى اتفاق ملزم في باريس سنة 2015.

وفي نونبر الماضي، استضافت الدنمارك مجموعة من المبعوثين الدوليين المعنيين بمسألة التغيرات المناخية والتي أصدرت تقريرها النهائي حول تقييم ظاهرة الاحتباس الحراري. وكانت مناسبة لإطلاق نداء إنذاري جديد ضد التركيزات العالية للغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي.

وتحذر هيئة الأمم المتحدة بأن مستوى تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي هو الأعلى منذ 800 ألف سنة.

ويوصي واضعو التقرير الأخير بضرورة بلوغ الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري درجة الصفر بحلول نهاية القرن، باعتبارها نابعة أساسا من الوقود الأحفوري، وذلك من أجل احتواء الزيادة في درجة الحرارة إلى أقل من المستوى الذي يعتبره الكثيرون خطيرا.

ويتم في الدنمارك التذكير باستمرار بأن الالتزام البيئي الطموح للبلاد ليس جديدا، حيث عقب أزمة النفط لسنوات السبعينيات من القرن الماضي، كانت الطاقات المتجددة تحظى بالأفضلية عن الطاقة النووية من أجل مواجهة ارتفاع أسعار الذهب الأسود في تلك الفترة.

وفي بداية القرن الحالي، تم بناء عدد كبير من المحطات الريحية على طول 43 ألف كيلومتر مربع من ساحل البلاد حيث يتشكل من نحو 400 جزيرة، والاستفادة من الرياح لإنتاج الكهرباء، والذي يتم تصدير الفائض منه إلى الدول المجاورة.

وتؤكد الحكومة على موقعها الإلكتروني الرسمي أن الطاقة الريحية لم تعد فقط أهم مصدر للكهرباء، بل أيضا الأكثر فائدة.

وتشكل الطاقات المتجددة 20 في المائة من مجموع الطاقة في البلاد مع طموح بتحقيق الاستقلال التام بالنسبة للوقود الأحفوري بحلول سنة 2050.

على المستوى الأوروبي، ما فتئت الدانمرك تدعو إلى مزيد من توفير الطاقة وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة من أجل إعطاء القدوة للعالم في وقت ينتظر الجميع التوصل إلى اتفاق دولي حول المناخ.

وتعمل كوبنهاغن على الحد من هذه الانبعاثات بنسبة 40 في المائة، ورفع حصة الطاقة المتجددة إلى 30 في المائة، وتحسين النجاعة الطاقية بشكل كبير، عبر جعل هذه الأهداف متبناة على مستوى الاتحاد الأوروبي.

وإذا كانت هذه الأهداف تبدو طموحة جدا وأحيانا صعبة التحقيق خارج هذا البلد الاسكندنافي الصغير، فإن النموذج الدنماركي لا يزال يحظى بالتتبع بل يتطلع إلى أن يحتذى به.

ومن نيويورك إلى بكين، تسترعي التكنولوجيا الخضراء الدنماركية والتجارب الناجحة في كل من النقل، وتدبير المياه أو البناء، الانتباه بشكل متزايد.