المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.. نحو تدارك الخصاص البنيوي والخدماتي بالمجالات الترابية الأقل تجهيزا

++ إعداد: إبراهيم الجملي ++

الرباط – تسير المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الورش المجتمعي الدائم والمفتوح، نحو تحقيق نتائج نوعية في مجال تدارك الخصاص المسجل على مستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية بالمجالات الترابية الأقل تجهيزا، وذلك ضمن المرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2019-2023)، التي رصد لها غلاف مالي إجمالي قدره 18 مليار درهم.

وبالفعل، فقد خصصت المبادرة البرنامج الأول من مرحلتها الثالثة لهذه الغاية، وذلك من خلال مساهمتها في برنامج الحد من الفوارق المجالية في العالم القروي، ومواصلة العمل على تدارك جزء من العجز المسجل حسب مؤشرات خريطة الفقر متعدد الأبعاد في ما يخص الولوج للبنيات التحتية والخدمات الأساسية، حيث ستهم تدخلات هذا البرنامج (4 ملايير درهم) خمسة محاور ذات أولوية، تتمثل في الصحة والتعليم والكهربة القروية والتزويد بالماء الصالح للشرب، بالإضافة إلى إنجاز الطرق والمسالك القروية والمنشآت الفنية.

والواقع أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نجحت من خلال مرحلتيها الأولى والثانية في تغيير معالم الجماعات والأحياء والقرى المستهدفة بمختلف جهات المملكة، وذلك من خلال إنجاز العديد من المشاريع التنموية التي شملت دعم الولوج إلى التجهيزات والخدمات الاجتماعية الأساسية ودعم الأنشطة المدرة للدخل ومشاريع التنشيط الثقافي والرياضي، إلى جانب دعم الحكامة المحلية، وذلك وفق مقاربة تشاركية تعتمد التشخيص والتخطيط التصاعدي والتتبع والتقييم كآليات لترسيخ الحكامة في تدبير المشاريع المندرجة في إطار هذا الورش المجتمعي الضخم.

وهنا، ينبغي التأكيد أن الحكامة الخلاقة والمبدعة التي تنتهجها المبادرة، ترمي إلى تحقيق المزيد من الانسجام والفعالية عبر الاعتماد على دعامات متعددة تشمل اعتماد ثقافة المشاركة، وتجديد آليات الحكامة، وتبني سياسة التعاقد، ومنظومة الشراكة المتجددة، وتكريس التدبير المندمج للمشاريع ضمانا للالتقائية بين مختلف البرامج القطاعية لمؤسسات الدولة والجماعات الترابية.

وتشهد المنجزات البنيوية المحققة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لاسيما بالوسط القروي، على تحسن ولوج ساكنة القرى للكهربة والمياه الصالحة للشرب، إلى جانب تعزيز الشبكة الطرقية والمنشآت الفنية التي تمكن من فك العزلة على ساكنة العالم القروي وتمكينهم من مستوى عيش كريم.

والواضح، أن جميع المشاريع المندرجة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تندرج في إطار الفلسفة التي يقوم عليها هذا الورش المجتمعي المهيكل الذي انطلق في 18 ماي 2005، والتي تتوخى، على الخصوص، استرجاع الثقة في العنصر البشري وإلغاء الفوارق الاجتماعية واجتثاث مظاهر التهميش والإقصاء، وهكذا فإن مشاريع المبادرة التي حظي قطاع الفلاحة والصناعة التقليدية بقسط وافر منها، أحدثت دينامية غير مسبوقة بجميع مدن وقرى المملكة، ومكنت في ظرف وجيز من الرقي بالخدمات الاجتماعية المقدمة إلى مستويات أفضل.

هكذا، وبرسم المرحلة الثالثة، ستتولى على المستوى المحلي، اللجنة المحلية للتنمية البشرية، إعداد التشخيص التشاركي وتحديد الحاجيات المعبر عنها من طرف الساكنة المحلية، فيما ستناط على المستوى الإقليمي، باللجنة الإقليمية للتنمية البشرية مهمة إعداد برنامج التنمية البشرية متعدد السنوات وعقد البرنامج المتعلق به، مع تتبع تنفيذ المشاريع وإعداد التقارير بشأنها، في حين ستسهر اللجنة الجهوية للتنمية البشرية، جهويا، على تناسق البرامج الإقليمية وتوزيع الموارد المالية الخاصة بالمبادرة، حسب البرامج المعتمدة وأولوياتها.

ومما لا شك فيه، أن الزخم الذي يعرفه إنجاز البنيات الأساسية والخدماتية الرامية إلى الارتقاء بمستوى عيش ساكنة القرى والمجالات شبه الحضرية بمختلف جهات المملكة، يدل على المكانة الخاصة التي تحظى بها هذه الفئات المجتمعية ضمن مختلف البرامج والمشاريع المسطرة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كما تدل على ذلك البنيات العديدة المحدثة خلال السنوات الأخيرة، والتي تسعى إلى اندماجها بكيفية أفضل في سيرورة التنمية المحلية.

والأكيد أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي دخلت مرحلتها الثالثة، تعد لا محالة، لبنة أساسية في صرح التكافل الاجتماعي الذي تبنته المملكة كخيار لا محيد عنه، هدفها في ذلك تجسيد قيم التآزر والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، ومن ثم جعل المواطن المغربي، في القرى كما في الحواضر، ينعم بإطار عيش لائق قوامه خدمات اجتماعية ميسرة وذات جودة.