آخر الأخبار
الميزانية السعودية لعام 2017، تمرين اقتصادي لمرحلة ما بعد النفط

الميزانية السعودية لعام 2017، تمرين اقتصادي لمرحلة ما بعد النفط

الإثنين, 26 ديسمبر, 2016 - 10:43

يوسف صدوق

الرياض

اعتمدت المملكة العربية السعودية يوم الخميس الماضي ميزانيها العامة  للعام المقبل، وهي أول ميزانية تعتمدها الحكومة السعودية بعد إطلاق خطتها الطموحة لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، والمعروفة بـ “رؤية 2030” التي تتضمن برامج اقتصادية واجتماعية وتنموية لإعداد البلاد لمرحلة ما بعد النفط.

وتضمنت الميزانية الجديدة إجراءات وصفت “بالاستثنائية والمهمة” في مسار تعزيز الاستدامة المالية وتنويع مصادر الدخل، وترشيد الإنفاق الحكومي، ودعم القطاع الخاص بما يعزز مستويات نمو الاقتصاد المحلي، إضافة إلى إطلاق برامج موازية لتحقيق التوازن المالي وتوجيه الدعم الحكومي للمواطنين وفق معايير الاستحقاق.

وتظهر المعطيات الرسمية لميزانية 2017، نجاح المملكة في تقليص العجز في ميزانيتها العامة، إذ يتوقع أن تستقر قيمة العجز خلال العام المقبل في حدود 198 مليار ريال سعودي (8ر52 مليار دولار)، أي بانخفاض بنسبة 10 في المئة من المتوقع، وبـ 33 في المئة من نسبة العجز المسجلة في ميزانية 2016.

وفي المقابل، حققت المملكة خلال العام الجاري، إيرادات بقيمة 528 مليار ريال سعودي (8ر140 مليار دولار)، أي بزيادة عن القيمة المتوقعة والبالغة 513,7 مليارا، فيما بلغت نفقاتها 825 مليار ريال سعودي (220 مليار دولار) أي بأقل من 1,8 في المئة من القيمة المتوقعة من هذه النفقات.

وتعكس هذه المؤشرات “الإيجابية” إرادة الحكومة السعودية في فك ارتباطها التدريجي بإيرادات النفط وإنهاء ارتهانها لتقلبات أسعاره في الأسواق العالمية التي شهدت في الفترة الأخيرة هبوطا مطردا بحيث تهاوى سعر خام برنت من 110 دولارا للبرميل إلى ما دون الخمسين دولارا للبرميل في الأيام الأولى من يناير 2015.

وأكد العاهل السعودي أن الميزانية الجديدة، “تأتي في ظروف اقتصادية شديدة التقلب عانت منها معظم الدول، وأدت إلى بطء النمو الاقتصادي العالمي، وانخفاض في أسعار النفط، ما أثر على بلادنا. وقد سعت الدولة إلى التعامل مع هذه المتغيرات بما لا يؤثر على ما نتطلع إلى تحقيقه من أهداف”.

وقال “إننا عاقدون العزم على تعزيز مقومات اقتصادنا الوطني، حيث تبنينا رؤية المملكة 2030 وبرامجها التنفيذية وفق رؤية إصلاحية شاملة من شأنها الانتقال بالمملكة إلى آفاق أوسع وأشمل لتكون قادرة على مواجهة التحديات، وتعزيز موقعها في الاقتصاد العالمي”.

وأضاف أن رؤية 2020 “ليست فقط مجموعة من الطموحات، بل هي برامج تنفيذية لنتمكن من تحقيق أولوياتنا الوطنية وإتاحة الفرص للجميع من خلال تقوية وتطوير الشراكة مع القطاع الخاص، وبناء منظومة قادرة على الإنجاز، ورفع وتيرة التنسيق والتكامل بين الأجهزة الحكومية كافة، ومواصلة الانضباط المالي، وتعزيز الشفافية والنزاهة”.

وبالموازاة مع اعتماد ميزانية 2017، أطلقت الحكومة السعودية برنامج “التوازن المالي 2020” الذي يعد إحدى الآليات التنفيذية لرؤية 2030، ويتضمن سياسات “شفافة ومستدامة” تهدف إلى بلوغ ميزانية متوازنة في أفق 2020.

ويسعى البرنامج إلى تعزيز الإدارة المالية، وإعادة هيكلة الوضع المالي للمملكة، واستحداث آليات مختلفة لمراجعة الإيرادات والنفقات والمشاريع المختلفة وآلية اعتمادها، وزيادة الإيرادات غير النفطية، ودعم المواطنين، وتحرير تدريجي لأسعار الطاقة.

كما يستهدف البرنامج تعزيز استدامة الإيرادات الحكومية وتركيز الإنفاق على المشاريع الأكثر استراتيجية، وإلغاء الإعانات غير الموجهة، وتمكين المواطنين من الاستهلاك بمسؤولية، علاوة على استدامة النمو الاقتصادي في القطاع الخاص.

وأظهرت وثيقة برنامج “التوازن المالي”، أن عدم تطبيق الإصلاحات الاقتصادية في المملكة، سيؤدي حتما إلى نفاذ أرصدة الدولة لدى مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) بحلول عام 2019، فيما سيتضاعف الدين العام إلى نحو 737 مليار ريال في العام نفسه.

وتأسيسا على ذلك، شرعت الحكومة في تنفيذ رزمة إصلاحات هيكلية خلال العام الجاري، ومنها ترشيد النفقات لرفع كفاءة الإنفاق التشغيلي في قطاعات مختلفة، إضافة إلى مراجعة البدلات والعلاوات، ومراجعة أسعار الطاقة، مع الاستمرار في تطبيق إصلاحات مالية إضافية لتحقيق ميزانية متوازنة بحلول 2020.

ويتوقع أن تبدأ الحكومة خلال العام المقبل في تطبيق عدد من الإصلاحات، من قبيل تحصيل مقابل مالي على الوافدين، وفرض مقابل على كل مرافق للعمالة الوافدة في القطاع الخاص، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة ابتداء من عام 2018، إضافة إلى ضريبة “السلع المنتقاة” الخاصة بالمنتجات التي تتسبب في أضرار على الصحة كمشتقات التبغ التي ستبلغ ضريبتها 100 في المئة، والمشروبات الغازية (ضريبتها 50 في المئة‏)، ومشروبات الطاقة (ضريبتها 100 في المئة).

وفي إطار تجسيد خططها للتحول الوطني، كشفت وثيقة برنامج “التوازن المالي” عزم الحكومة على إنفاق نحو 200 مليار ريال (53 مليار دولار) ضمن حزمة تحفيزات للقطاع الخاص على مدى السنوات الأربع المقبلة. وتشمل هذه الخطط استثمار عشرات المليارات من الدولارات خلال السنوات المقبلة على مشروعات متنوعة تشمل بناء مدن صناعية ومساكن ومدارس وغيرها.

وتعول الحكومة على القطاع الخاص لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية التي سطرتها رؤية 2030، من خلال حزمة إجراءات تتمثل في توفير قروض بدون فوائد خلال الفترة ما بين عام 2017 و2020، لمساعدة القطاع الصناعي والإنتاجي على مواجهة ارتفاع كلفة الطاقة والمواد الأولية بعد المراجعة التي طرأت على أسعارها.

وأوضحت وثيقة البرنامج التي أعلن عنها عقب إعلان ميزانية 2017 أن “نهج الحكومة هو دعم الاقتصاد على المدى القصير من خلال حزمة تحفيزات اقتصادية”، مشيرة إلى أنه “تم اقتراح وتحديد حجم حزمة التحفيز بنحو 200 مليار ريال بين 2017 و2020 للمساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي ودعم قدرات الاقتصاد السعودي للمساهمة في تحقيق رؤية 2030”.

ولتخفيف الأثار المحتملة لهذه الإصلاحات الهيكلية على وضع الأسر ذات الدخل المنخفض والمحدود، أطلقت الحكومة برنامجا لدعم هذه الفئات المتضررة أساسا من التعديلات الجديدة لأسعار منتجات الطاقة والمياه، والتي ستحدث تغييرا جذريا في تكاليف منتجات الطاقة لدى الأسر وتكلفة المعيشة بشكل عام.

ويهدف برنامج “حساب المواطن” الذي أعلنت عنه الحكومة في أعقاب اعتماد الميزانية الجديدة للمملكة، إلى التخفيف من وطأة الآثار الاقتصادية الناتجة عن المبادرات المختلفة على ذوي الدخل المنخفض والمحدود، من خلال تجميع كل أشكال الدعم الحكومي للمواطنين في آلية وحيدة ستوفر مبالغ نقدية للأسر المعنية شهريا من خلال معايير الاستحقاق.

وأكدت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن دعم هذه الفئات يهدف إلى ضمان التوازن الاقتصادي لهذه الأسر، وعدم تأثرها بخطة الدولة الطموحة التي تضمنها برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030، “التي ستمكن البلاد من تحقيق قفزات تنموية نوعية على جميع المستويات، وستسهم في تنويع الدخل الوطني عبر الصادرات غير النفطية”.

وأشارت إلى أن هذا الحساب سيبدأ بقيمة دعم إجمالية تبلغ 25 مليار ريال في عام 2017، للفئة المستهدفة من المواطنين، على أن تصل قيمة الدعم الإجمالية للحساب إلى 60 مليار ريال في عام 2020، مؤكدة أن الزيادة في هذه المبالغ ستتكفل بها الدولة بما ينسجم مع خطة الإصلاح الاقتصادية الوطنية الشاملة.

وفي ظل هذه المتغيرات الجوهرية في الميزانية السعودية، تؤكد الحكومة السعودية عدم نيتها فرض أي ضرائب على دخل المواطن أو الفرد المقيم أو على أرباح الشركات السعودية، وذلك في رسالة طمأنة إلى القطاع الخاص الذي تراهن عليه الدولة لتعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص الشغل للمواطنين.

ويؤكد خبراء الاقتصاد أن موازنة السعودية الجديدة وما حملته من إصلاحات موازية تشكل “نقلة نوعية في الشكل والمضمون” من خلال اعتماد إصلاح مالي قادر على تعزيز النمو الاقتصادي وحماية الاستقرار الاجتماعي والقطع مع اقتصاد الريع.

كما تعد هذه الميزانية، حسب هؤلاء الخبراء، رسالة إلى الخارج، معتبرين أن قرار الحكومة طرح سنداتها في سوق الأسهم السعودية، وإطلاقها لبرنامج دولي للسندات الحكومية يكشف حجم الطلب العالمي الكبير على هذه السندات، لا سيما بعد الطرح الأول لهذه السندات التي شهدت طلبا دوليا مرتفعا بحجم 67 مليار دولار فيما يعد مؤشرا “مهما” على ثقة المستثمرين العالميين في الاقتصاد السعودي. 

ويخيم تفاؤل كبير داخل الأوساط الاقتصادية السعودية بأن تحقق الحكومة الأهداف المعلنة في ميزانية 2017 في ظل توقعات بزيادة الإيرادات النفطية وتحريك القطاع الخاص لعجلة النمو الاقتصادي، فضلا عن تحقيق المزيد مـن الانضباط المالي الذي ستظهر آثاره “الإيجابية” في الميزانيات المقبلة للمملكة. 

وتحظى السعودية، العضو في مجموعة العشرين، بقوة مالية واحتياطات أجنبية كبيرة، ومرونة سياستها في التعامل مع الصدمات الاقتصادية، إضافة إلى كونها الأكثر تأثيرا على أسواق الطاقة على المستوى العالمي.

ويرى المراقبون أن الاصلاحات الاقتصادية التي انخرطت فيها السعودية لتدشين عهد ما بعد النفط هو ما جعلها أيضا تحافظ على تصنيفها الائتماني المريح من عدة وكالات دولية على الرغم من الانخفاض الحاد لأسعار النفط في السوق الدولية، وهو ما ترجمته تأكيدات (ستاندرد أند بورز) من أن الميزانية السعودية ستظل قوية حتى عام 2019.

 

اقرأ أيضا

إدارة السجن المحلي “عين السبع 1” تنفي مزاعم بخصوص تعرض سجين لـ “محاولة التصفية الجسدية” (بيان توضيحي)

الأحد, 5 مايو, 2024 في 16:45

نفت إدارة السجن المحلي “عين السبع 1” بالدار البيضاء ما تداولته بعض المواقع الإلكترونية بخصوص تعرض السجين (ع.ك) لـ “محاولة التصفية الجسدية على يد جهات من خارج المؤسسة”، و”الضرب أمام أنظار الإدارة والموظفين”، و”منعه من العلاج والإخراج إلى المستشفى”، وكذا “استعداده للدخول في إضراب عن الطعام”.

بانجول.. حصيلة منجزات وكالة بيت مال القدس فاقت 13,8 مليون دولار خلال الفترة 2019-2024 (تقرير)

الأحد, 5 مايو, 2024 في 16:10

أبرز تقرير للجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، والتي يترأسها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، تم توزيعه على المشاركين في الدورة الـ 15 لمؤتمر القمة الإسلامي، التي انعقدت ببانجول، عاصمة غامبيا، أن حصيلة منجزات وكالة بيت مال القدس الشريف، الذراع التنفيذية للجنة، في المدينة المقدسة فاقت 13,8 مليون دولار أمريكي بين دورتي القمة (2019-2024).

بانجول.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تؤكد الأهمية الإستراتيجية لمبادرة جلالة الملك لفائدة “الدول الإفريقية الأطلسية”

الأحد, 5 مايو, 2024 في 16:01

أكد مؤتمر القمة الإسلامي في دورته الـ 15 على الأهمية الإستراتيجية التي تكتسيها مبادرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس لفائدة “الدول الإفريقية الأطلسية”.

MAP LIVE

MAP TV

الأكثر شعبية