النمسا.. وجهة سياحية آمنة على مدار السنة

(بقلم رشيد سامي)

فيينا – الجريمة عابرة للحدود بطبعها وتطرح المزيد من التحديات بفعل الهجرة، ومع ذلك فإن النمسا تظل واحدة من أكثر الدول الأوروبية أمنا حيث إن معدلات الجريمة بها تبقى من بين أدنى المعدلات في العالم وذلك حسب آخر الإحصاءات التي كشف عنها المكتب الفدرالي للشرطة الجنائية (بونديسكريمينالامت).ففي هذه الجمهورية الصغيرة الواقعة قرب جبال الألب (أقل من 9 ملايين نسمة) والمجاورة لألمانيا وسويسرا وإيطاليا والمجر، فإن سلامة الأشخاص والممتلكات تكاد تكون مضمونة بنسبة تقارب 100 في المائة. فهنا، تندر جرائم الاعتداء على الأشخاص سواء بالليل أو في النهار وكذا في المناطق النائية.
توفر الشرطة ظروف الأمن من خلال نظام لكاميرات المراقبة، وسياسة اجتماعية وضعت خصيصا لمعالجة انعدام الأمن والتصدي لمختلف أنواع الانحرافات، فضلا عن الحس المدني المتقدم سواء لدى النمساويين أو أفراد الجاليات الأجنبية المقيمة بالبلاد.
ويوضح رقم واحد هذه الحقيقة، فعدد جرائم العنف المسجلة سنة 2014 في جميع أنحاء البلاد بلغ 38 حالة فقط، وقد انخفضت بنسبة 90 في المائة بعدما سجلت سنة 2012 نحو 82 حالة وفي سنة 2013 نحو 52 حالة، وهو انخفاض أشاد به أمام الصحافة الجنرال فرانز لانغ، مدير المكتب الفدرالي للشرطة الجنائية، المكلف بالتنسيق على المستوى الفدرالي بشأن التحقيقات الجنائية ومكافحة الجريمة المنظمة.
وهناك إحصاءات أخرى تؤكد ذلك، ففي سنة 2014 بلغ عدد سرقات السيارات 3347 حالة، أي بانخفاض بأكثر من 13 في المائة مقارنة مع سنة 2013. وفيما يتعلق بسرقة المنازل عبر اقتحامها، فقد سجل تقرير مصالح الشرطة 47 حالة يوميا، خلال السنة الماضية أي بانخفاض نسبته 3.4 في المائة مقارنة مع السنة التي قبلها. كما تراجعت جرائم الانترنت بنسبة 11 في المائة (بتسجيل 8966 حالة).
وعلى الرغم من الوضع الأمني الجيد في المدن النمساوية، فإن الشرطة تظل يقظة مع انتشارها على نطاق واسع في مختلف المناطق. ويمكن ملاحظة هذا الحضور المتميز في العاصمة فيينا التي تعد أكبر المدن النمساوية وتتواجد بها جالية أجنبية هامة.
وتتدخل فرق الشرطة بسرعة بفعالية وكفاءة بعد أي إخطار بحدوث مواجهات أو محاولة للسرقة، حتى ولو اضطرت في بعض الأحيان للتدخل خلال المواجهات العنيفة بين تجار المخدرات المتنافسين.
وتلاحظ هذه الكفاءة في الحفاظ على النظام باستعمال المرونة في تدخلات الشرطة خلال المظاهرات وخلال توجيه المتظاهرين كما كان عليه الحال في 30 يناير الماضي خلال الاحتجاجات الكبيرة ضد الحفل السنوي للأكاديمية النمساوية لليمين المتطرف، مما تطلب تعبئة أكثر من 2500 من عناصر الشرطة. وتمثلت النتيجة في عدم وقوع أي أعمال عنف أو مواجهات أو تخريب للممتلكات العامة.
الأمر نفسه حدث خلال الاحتجاجات التي نظمتها حفنة من أنصار الحركة المعادية للإسلام (بيغيدا) وهي حركة نشأت في أكتوبر 2014 بألمانيا ولكن سرعان ما وصل تأثيرها إلى النمسا، غير أن ذلك التأثير ظل ضئيلا نظرا للاندماج الجيد للمسلمين في هذا البلد ووجود معارضة كبيرة للعنصرية باستثناء بعض المنتمين لليمين المتطرف.
وعلاوة على ذلك، هناك جمعية يطلق عليها اسم “فير سونسيبيل”، تأسست بمبادرة من رجال الشرطة أنفسهم للتصدي للانفلاتات المحتملة لزملائهم، وخاصة ضد الأجانب، وتتولى الجمعية تنظيم دورات وندوات لتوعية ضباط الشرطة أو رجال الأمن الذين يوجدون في مرحلة التكوين بأكاديميات الشرطة لجعلهم يدركون أن الطرق العنيفة في التدخل لا يمكنها أن تولد سوى سوء الفهم.
وفضلا عن تحديات الأمن العمومي فإن التهديد الإرهابي يعتبر حاليا مصدر قلق كبير للنمسا ولجميع الأوروبيين، خاصة بعد الهجمات الأخيرة في باريس وانضمام عدد من المواطنين الأوروبيين إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
ولا عجب إن كانت فيينا قد حصلت على لقب أفضل مدينة للعيش عبر العالم، وذلك للمرة السادسة على التوالي وفقا للترتيب السنوي لمؤسسة “ميرسر” التي قامت بتصنيف 230 مدينة بالاعتماد على 39 معيارا، بما في ذلك الأمن.
وهناك معيار مهم يتعلق أن بالتأثير على قرار الكثير من السياح، فالنمسا وجهة سياحية يقبل عليها السياح بنفس المستوى سواء في الصيف أو في الشتاء، وهو أمر نادر الحدوث بالنسبة لعواصم أخرى.