بتروبراس، الذراع الاقتصادي للبرازيل تحت قيادة امرأة من بين أكثر النساء تأثيرا في العالم

(من مبعوث الوكالة إلى ساو باولو: هشام الأكحل)

ساو باولو – قليلات هن النساء اللواتي استطعن أن يلجن عالما ظل لردح طويل من الزمن حكرا على الرجال، لكن البرازيلية ماريا داس غراساس فوستر كسرت القاعدة عندما تولت رئاسة بتروبراس، أكبر شركة نفطية في البرازيل، وواحدة من أهم الشركات المتخصصة في الصناعة النفطية في أمريكا اللاتينية والعالم.
لم يكن تعيين داس غراساس فوستر، منذ نحو سنتين، على رأس بتروبراس من قبيل الصدفة، فهي المهندسة الكيميائية التي تدرجت في مناصب المسؤولية إلى أن حظيت بثقة الرئيسة ديلما روسيف التي دفعت بكثيرات من البرازيليات إلى مراكز قيادية مهمة.
تقول الرئيسة البرازيلية: “من دون أدنى شك مع غراساس في منصب الرئاسة ستكون “بيتروبراس” بين أياد أمينة (…) أعرف جيدا قدرة العمل التي تتمتع بها، والكفاءة والجدية التي ميزتها طيلة مسارها المهني، ستعرف كيف تواصل توسيع أسواق بيتروبراس”.
وتعترف غراساس فوستر أنها مدركة جدا للتحديات اليومية التي تواجه امرأة على رأس شركة تصدرت مؤخرا الترتيب من بين خمسين علامة تجارية الأكثر شهرة في أمريكا اللاتينية، وهي رابع أكبر شركة في العالم في مجال الطاقة.
وتؤكد هذه البرازيلية، التي لا تجد حرجا في الاعتراف في حواراتها الصحافية بعملها في طفولتها في إعادة تدوير النفايات؛ من خلال جمع العبوات المعدنية والأوراق المستعملة، أن الأمر ليس بالسهل على رأس شركة نفط عالمية تشغل أزيد من 82 ألف موظف لا تمثل النساء من ضمنهم سوى 16 في المائة.
وتعتبر غراساس أن البرازيليات اللواتي يشكلن 60 في المائة من الساكنة النشيطة استطعن أن يجدن لأنفسهن موطئ قدم في عالم الشغل إلى جانب الرجال، معتبرة أن “الأحكام المسبقة” بين الجنسين سلاح مدمر في الإدارة والتسيير، يساهم في وأد القدرة على التنافسية ويؤدي إلى عواقب سلبية أخرى على مستوى تطوير الشركة، لذلك ليس هناك من مجال لهذه لأحكام المسبقة داخل “بيتروبراس”.
وتنتشر بتروبراس في 27 بلدا من بلدان العالم، خاصة في أمريكا اللاتينية والشمالية. وعلى مستوى القارة الإفريقية تتواجد الشركة في كل من ليبيا وتانزانيا وناميبيا ونيجيريا والبينين وأنغولا والغابون. وحسب موقع “بيتروبراس” الإلكتروني فإن معظم الاحتياطيات النفطية للشركة توجد في الحقول البحرية، وعلى أعماق كبيرة، مما يتطلب التوفر على المعرفة والتكنولوجيا للاشتغال على 15 ألفا من الآبار النفطية. وتؤمن نقل هذا النفط 172 سفينة عبر 26 ألف كيلومتر من خطوط الأنابيب.
وتتوفر الشركة على 15 من المصافي القادرة على تكرير أزيد من مليوني برميل من النفط يوميا. غير أن التحديات التي تنتظر بيتروبراس تتمثل أساسا في الرفع من الإنتاج بالانتقال من مستوى يقدر بنحو 2,3 إلى5,7 مليون برميل من النفط يوميا بحلول سنة 2020 ، بزيادة قدرها 115 في المائة، وذلك وفقا للمخطط الاستراتيجي الذي تسهر غراساس على تنفيذه. وتعمل بيتروباس على تجاوز بعض العقبات من خلال تطوير تقنيات حفر وتنقيب جديدة ومعقدة، وكذا المخاوف من حدوث تسرب في الحقول النفطية البحرية.
كما استثمرت البرازيل في مجال الصناعة النفطية سنة 2013 نحو 50 مليار دولار، وهو رقم يمثل ضعف ما استثمرته شركة “بيديفيسا” الفنزويلية خلال الفترة ذاتها وتأمل بيتروباس استثمار أزيد من 237 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من 2013 إلى 2017.
وتتمثل مفاتيح النجاح بالنسبة لبتروبراس ، برأي العديد من المراقبين، في الجرأة المؤسساتية التي أهلتها لنسج تحالفات استراتيجية مع شركات نفطية عالمية سواء أكانت حكومية أم خاصة، والاستثمار على أساس “المجازفة المشتركة” في التنقيب والإنتاج النفطي مع شركاء دوليين، والاعتماد على التكنولوجيات الحديثة في التنقيب في أعماق البحر.
كما انخرطت الشركة في مشاريع لإنتاج الغاز الطبيعي الذي يعد أنظف أنواع الوقود الأحفوري، والذي يتميز بخصائص تمنح المعدات التي تستخدمه قدرة أكبر على المقاومة، إضافة إلى مساهمته في الحد من الآثار البيئية. وتنتج بيتروبراس ما يعادل 415 ألف برميل يوميا من الغاز الطبيعي.
وبالإضافة إلى النفط والغاز تعمل بيتروبراس في الاستثمار في الوقود الحيوي، ذي الأصول النباتية والمستخلص من فول الصويا والقطن. ويعد الوقود الحيوي صديقا للبيئة بحيث لا يحتوي إلا على نسبة قليلة من غاز الكربون الملوث للجو.
وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها شركة بيتروبراس، أهم ذراع اقتصادي للبرازيل، فإن تهم الفساد تلاحق بعضا من مسؤوليها، كما هو حال المدير السابق للتموين بذات الشركة باولو روبرتو كوستا، الذي صادرت الشرطة الاتحادية مؤخرا بمنزله وثائق تكشف تسلمه لرشاوى تراوحت ما بين 5 و50 في المائة من قيمة العقود الموقعة مع شركات بترولية، وتضعه ضمن خانة المفسدين الملطخين لسمعة بيتروبراس إلى أن يثبت العكس.