بلجيكا : قضية الهجرة تثير الجدل بين الحكومة والمعارضة والمنظمات غير الحكومية

 رحال الطوسي

   بروكسل – شكلت البلدان الأوروبية في 2017 ومن بينها بلجيكا، وجهة للعديد من المهاجرين الذين قصدوا القارة العجوز هربا من الحروب الأهلية، أو لظروف اقتصادية بحثا عن حياة أفضل.

   وعلى غرار السنوات الماضية، وعلى الرغم من تراجع تدفق المهاجرين بفضل الاتفاق الموقع بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، كانت قضية الهجرة في 2017 موضوع جدل كبير بين الحكومة من جهة، وأحزاب المعارضة والمنظمات غير الحكومية من جهة أخرى والتي وجهت انتقادات شديدة اللهجة لسياسة الهجرة متهمة الحكومة ب”انتهاك الحقوق الأساسية ” للمهاجرين.

   آخر إجراء ضمن هذه السياسة، التي يقودها كاتب الدولة المكلف باللجوء والهجرة تيو فرانكن، هو مصادقة مجلس النواب البلجيكي، في نونبر الماضي، على قانون مثير للجدل يتعلق بحق اللجوء، والذي تضمن إجراءات جديدة من بينها منح السلطات إمكانية الولوج إلى المعطيات المسجلة في الهاتف النقال لطالب اللجوء، وكذا لحسابه على مواقع التواصل الاجتماعي. وبموجب هذا القانون، فإن طالب اللجوء يمكنه أن يخضع للاعتقال إذا لم يتعاون مع السلطات. 

   ولم يتأخر رد فعل المنظمات غير الحكومية اتجاه هذه الإجراءات الجديدة التي اعتبرتها إهانة لطالبي اللجوء وتشديدا للقوانين في هذا المجال، معلنين اللجوء إلى المحكمة الدستورية.

   وقد أثار هذه القانون الجديد حفيظة المعارضة الاشتراكية والإيكولوجية. واتهم إيمير كير عن الحزب الاشتراكي تيو فرانكن باعتبار اللاجئين مجرد محتالين، كما اعتبر بينوا هيلينز عن الحزب الإيكولوجي النص الجديد مخالفا للقانون وانتهاكا للحياة الخاصة، مشيرا إلى أن المداهمات الرقمية مخصصة للجرائم الخطيرة فقط وأن الأمر هنا يتعلق بطالبي لجوء.

   وعلى مستوى المنظمات غير الحكومية، نشير هنا إلى رد فعل تنسيقة والمبادرات من أجل اللاجئين والأجانب، والتي اعتبرت مديرتها العامة سوتيتا نغو أن القانون الجديد انتهاك للحقوق الأساسية.

   من جانبه، انتقد المركز الفدرالي للهجرة بلجيكا بعدم الاستثمار بما فيه الكفاية في الطرق البديلة عن احتجاز المهاجرين الذين عليهم مغادرة البلاد، مشيرا إلى أن هؤلاء يتم وضعهم على وجه السرعة في مراكز مغلقة. واثار المركز في هذا الإطار الرفع من الميزانية العامة المخصصة لسياسة الرحيل التي زادت بنسبة 35 في المائة منذ 2014، حيث انتقلت من 63 إلى حوالي 84 مليون أورو.

   كما أن المفوضية العليا للاجئين أعربت بدورها عن قلقها لعدم وقف تنفيذ هذه الإجراءات عند إطلاق مسطرة الطعن، وكذا لقصر آجال الطعن (خمسة أيام) والتي تحول دون اللجوء الفعلي لهذه المسطرة خلال طلب اللجوء.

   إجراء آخر أثار جدلا واسعا حول تدبير تيو فرانكن لملف الهجرة يتعلق بوضع المهاجرين غير الشرعيين في مراكز مغلقة في انتظار ترحيلهم إلى بلدانهم.

   ووجب الإشارة هنا إلى احتجاز عبد القادر هكو أستاذ جامعي ونائب رئيس جامعة محمد الأول بوجدة ليلتين في مركز مغلق بستينوكيرزيل، بالإقليم الفلاماني. وكان عبد القادر هكو قد حل ببروكسل للمشاركة في مشروع يندرج في إطار التعاون مع الجامعة الحرة لبروكسل، ولم يتم إطلاق سراحه إلا بعد تدخل الجامعة وسفارة المغرب ببلجيكا.

   وأمام السياسة الحكومية المتشددة اتجاه المهاجرين، ظهرت، في بروكسل على الخصوص مبادرات شعبية تضامنية مع هذه الفئة التي تعيش ظروفا إنسانية صعبة. فقد تطوعت عدد من العائلات لإيواء المهاجرين في إطار مبادرة تحمل إسم ” أرضية مواطنة لدعم اللاجئين “والتي تضم 17 ألف متطوع.

   فمنذ بداية شهر شتنبر الماضي، تاريخ إطلاق هذه المبادرة التي تهدف إلى مواجهة سياسات الحكومة البلجيكية والأوروبية في مجال الهجرة، تتكفل ” أرضية مواطنة لدعم اللاجئين ”  بتأمين المبيت لعشرات المهاجرين. فقد استعاد عدد من هؤلاء دفء الأسرة من خلال هذه المبادرة التي انتشرت في عدد من المدن في بروكسل، ولييج، ونامو، وكذا هينوت في الإقليم الفلاماني.