تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب .. خطر يهدد أسس الأمن والاستقرار في شبه القارة الهندية

(مراسل الوكالة في نيودلهي : سعد أبو الدهاج)

نيودلهي – شهدت منطقة شبه القارة الهندية، في الآونة الأخيرة، تناميا ملحوظا للأعمال والهجمات الإرهابية، التي استهدفت المصالح والبعثات الدبلوماسية التابعة للهند وباكستان داخل أراضيهما وتعدتها إلى أفغانستان المجاورة، بشكل أضحى يهدد أسس الأمن والاستقرار بالمنطقة.
ولم يقف الخطر المتزايد لظاهرة التطرف والإرهاب عند ضرب أهداف عسكرية ومدنية لتلك الدول، تحت مسميات وذرائع دينية تارة وقومية انفصالية تارة أخرى، بل تعداها إلى تقويض المبادرات التي تهدف إلى رأب الصدع والتوتر الحاصل بين بلدان المنطقة.
ولعل الاعتداءات الأخيرة التي تعرضت لها المصالح الهندية والباكستانية، لاسيما في أفغانستان، أقوى برهان على مدى التطور النوعي الذي شهده تموقع التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة، خاصة بعد اقتحام تنظيم “داعش” للساحة الأفغانية ودخوله في معارك مع حركة “طالبان” والقوات النظامية، فضلا عن تبنيه لعدد من العمليات الإرهابية.
ويأتي في مقدمة هاته الاعتداءات، الهجوم الذي نفذته، السبت الماضي، مجموعة مسلحة يعتقد أنها تسللت من داخل الأراضي الباكستانية، مستهدفة قاعدة تابعة لسلاح الجو الهندي في إقليم البنجاب بالقرب من الحدود مع باكستان، ما خلف مقتل سبعة أفراد من القوات النظامية (ثلاثة جنود وأربعة من القوات الخاصة) وإصابة 22 آخرين.
وبحسب المراقبين، فإن هذا الهجوم النوعي، من حيث الجرأة والدقة في التخطيط له وتنفيذه، ساهم بشكل كبير في تقويض الدينامية الأخيرة التي طبعت العلاقات الهندية-الباكستانية، التي بدأت بلقاء قصير بين زعيمي البلدين خلال أعمال مؤتمر التغيرات المناخية في باريس وتوجت بالزيارة المفاجئة للوزير الأول الهندي، ناريندرا مودي، إلى مدينة لاهور ولقائه بنظيره الباكستاني نواز شريف، ما شكل، في ذلك الوقت، منعطفا “تاريخيا” بين البلدين الجارين.
ويرى هؤلاء أن تداعيات الهجوم الإرهابي على القاعدة الجوية الهندية تشكل السبب الرئيسي وراء إرجاء المحادثات، التي كان من المفترض أن تنعقد اليوم الجمعة في إسلام آباد، بين وكيلي وزارتي الخارجية للبلدين، بالرغم من التطمينات والتصريحات المتفائلة التي أكد عليها الطرفان معا بشأن استمرار مسار إعادة الدفء للعلاقات الثنائية، ومواصلة تعزيز الدينامية الجديدة بين البلدين.
هذه الدينامية، يضيف المراقبون، هي التي جعلت الحكومة الباكستانية تتخذ عددا من الإجراءات والتدابير الأمنية من أجل الوفاء بالتزاماتها تجاه نظيرتها الهندية، ما أسفر عن اعتقال أبرز قادة جماعة “جيش محمد” المتشددة، التي تخوض قتالا ضد القوات الهندية منذ أمد طويل في إقليم كشمير المتنازع عليه، إضافة إلى أنها متهمة أيضا بالتورط في الهجوم الذي استهدف البرلمان الهندي سنة 2001 .
وبدورها، شكلت باكستان هدفا للتنظيمات الإرهابية المتطرفة، بعدما تعرضت قنصليتها في مدينة جلال آباد، الواقعة شرق أفغانستان، لهجوم انتحاري أول أمس الأربعاء، أعقبه تبادل لإطلاق النار، ما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص على الأقل.
ويأتي هذا الهجوم، الذي أعلنت جماعة تابعة لتنظيم “داعش” مسؤوليتها عنه، بعد يومين على لقاء رباعي استضافته باكستان وشارك فيه ممثلون عن أفغانستان وباكستان والصين والولايات المتحدة، بهدف حث حركة “طالبان” على العودة إلى التفاوض مع الحكومة الأفغانية بشأن مستقبل البلاد.
على أن الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له القنصلية الباكستانية في مدينة جلال آباد الأفغانية، سبقه هجوم مماثل استهدف البعثة الدبلوماسية الهندية في مدينة مزار الشريف في نفس البلد، بعدما تمكنت القوات الأفغانية من إحباط ذلك الهجوم الذي شنته، الأحد الماضي، مجموعة مسلحة مكونة من ستة عناصر على الأقل، على مقر القنصلية الهندية.
ووفقا للأجهزة الأمنية الأفغانية، فإن الهجوم على مقر القنصلية الهندية كان عملا مخططا له من قبل جماعة إرهابية أجنبية، مستدلة على ذلك بالهواتف النقالة وبعض الوثائق والمستندات، التي حصلت عليها قوات الشرطة بعد انتهاء الهجوم.
ويأتي هذا الهجوم بعد نحو عشرة أيام من زيارة الوزير الأول الهندي، ناريندرا مودي، إلى أفغانستان، والتي قام خلالها، رفقة الرئيس أشرف عبد الغني، بتدشين مقر البرلمان الأفغاني الذي تم بناؤه بمساعدة مادية وتقنية هندية، في ما يبدو أنه رد من تلك الجماعات المتشددة على الدعم الذي مافتئت تقدمه نيودلهي من أجل إعادة بناء الدولة الأفغانية ودعم مؤسساتها.
وما من استثناء، في هذا الصدد، بالنسبة لدولة بنغلاديش، التي شهدت، هي الأخرى في الأشهر القليلة المنصرمة عمليات إرهابية استهدفت عددا من الأجانب، منهم من يعمل في هيئات دولية، إضافة إلى موجة من أعمال العنف التي شملت هجمات على مساجد وقساوسة ومعابد هندوسية.