رمضان في الأردن..أجواء تعبد ومظاهر تسامح وعادات تزول وأخرى تقاوم

( بقلم : أحمد عاشو )

عمان – لا تكاد تختلف أجواء شهر رمضان في الأردن عن غيرها في باقي البلدان العربية الإسلامية سوى في تفاصيل ومظاهر مرتبطة بعادات وتقاليد زال بعضها وصمدت أخرى، فيما برزت عادات أخرى مواكبة لتطورات العصر.
ويحرص الأردنيون على استقبال الشهر الفضيل في أجواء من البهجة والفرح، كما يقبلون على التبضع أكثر حيث تشهد الأسواق والفضاءات التجارية حركة واسعة لتأمين الاحتياجات من المؤن مثل الأرز والتمر والحلويات وأنواع العصير.
وعلى غرار العديد من البلدان العربية الإسلامية، يلجأ معظم الأردنيين إلى استغلال ما تتيحه التطورات التكنولوجية الحديثة مثل الهواتف الذكية والشبكة العنكبوتية من إمكانيات للتواصل، فيتبادلون رسائل التمنيات والتهاني عند حلول الشهر المبارك، فضلا عن متابعة برامج تلفزيونية تعد في إطار دورة برامجية خاصة بشهر رمضان.
وتعتبر زينة رمضان من أهم مظاهر التعبير عن السعادة بمقدم هذا الشهر، إذ يقبل الكبار والصغار، على حد سواء، على اقتناء فوانيس مزينة بعبارات دينية وأهلة ومصابيح كهربائية ملونة تثبت على مداخل وواجهات ونوافذ المنازل طيلة أيام الشهر.
ويتميز شهر الصيام في الأردن بإقبال الناس الكبير على الأعمال الخيرية وعلى المساجد حيث تقام صلوات التراويح ويتلى القرآن والأذكار، كما يخصون العشر الأواخر بمزيد من الاجتهاد في العبادة.
ويكثر تبادل الزيارات بين الأقارب والجيران، وتبادل الأطعمة بين الجيران خلال ليالي رمضان، فتزداد العلاقات الاجتماعية عمقا وتكثر صلات الرحم بين أفراد الأسر، وهي فرصة قلما تتاح على مدى باقي أشهر السنة، فيما يقضي الشباب جزءا من سهراتهم في المقاهي.
ومن المظاهر التي تثير الإعجاب وتلقى استحسانا لدى الجميع، ما يقبل عليه بعض الأردنيين من أتباع الديانة المسيحية من مبادرات تتمثل في تهنئة مواطنيهم المسلمين والتعبير لهم عن أجمل المتمنيات بمناسبة حلول الشهر الكريم.
وفي صورة تعكس أبهى تجليات التآخي والتسامح بين الأديان، تحبذ بعض العائلات المسيحية تقاسم الإفطار مع عائلات مسلمة، كما يقيم بعضها ولائم إفطار بمناسبة أعراس أبنائهم إن تزامنت مع شهر الصيام.
كما يتولى بعض المتطوعين من الشبان المسيحيين توزيع التمر والماء في ملتقيات الطرق وعند الإشارات الضوئية على السائقين ممن فاتهم وقت الإفطار.
أما موائد رمضان في الأردن، فمتنوعة ويتقدمها التمر والماء قبل صلاة المغرب، وتشمل أيضا “الشوربة” وأنواعا من “السلطة” والطبق الرئيسي الذي غالبا ما يحتوي على الأرز مع اللحم أو الدجاج.
وتتنوع الحلويات التي يتناولها الأردنيون بين “الكنافة” و”المقلوب” و”القطايف”. كما يعد طابق “المنسف” الأردني الذي يتم تحضيره في الغالب الأعم عند استقبال الضيوف، من أشهر الأكلات الأردنية، وهو عبارة عن أرز و”جميد” (لبن مجفف) ولحم “بلدي” ورقاق خبز.
وينفرد شهر الصيام في الأردن بالخيام التي تنصب في الأحياء الشعبية وتخصص للجلسات الرمضانية الليلية وتبادل أطراف الحديث وتناول المشروبات، وقد تستمر هذه الجلسات إلى ما قبل الفجر.
كما تقام بمناسبة الشهر الفضيل موائد طعام خاصة يدعى إليها الفقراء والمساكين وذوو الحاجة، فضلا عن إخراج زكاة الأموال أو دفعها للجمعيات الخيرية التي تتولى توزيعها على مستحقيها.
ويعد “المسحراتي” من العادات المرتبطة بالشهر الفضيل، وهي عادة، وإن تراجعت إلى حد كبير، إلا أنها تأبى الانقراض وتقاوم التحول الملحوظ في نمط وأسلوب الحياة، في زمن تزحف فيه الوسائل التكنولوجية المختلفة على فضاء العادات والتقاليد.
فقد كان وجهاء المناطق والحارات وأئمة المساجد في الأردن يختارون “المسحراتي” الذي كان يستخدم الفناجين النحاسية التي يقرعها ببعضها البعض لتنبيه النيام وإيقاظهم لتناول وجبة السحور، قبل أن تستبدل الفناجين بالطبل حتى يصل الصوت إلى أبعد مكان، أو الطرق على الأبواب، أو استخدام مكبر للصوت أيام فصل الشتاء الماطر للنداء من فوق المآذن.