رمضان في بولونيا : في ظل حجر صحي إلزامي التلفزة تمنح حصريا فسحة خاصة للمسلمين

بقلم :عبد العزيز حيون

وارسو – لن يكون بإمكان المسلمين المتواجدين في بولونيا ،على قلتهم مقارنة بأمثالهم في دول أخرى من وسط أوروبا ، التوجه كالعادة الى المساجد لأداء الصلوات الخمس والتراويح وحضور الدروس الدينية ،ك”متنفس ديني” وحيد التزموا به سابقا بدقة لعلهم ينالوا ثواب وأجر الدنيا والآخرة .

واستباقا لحلول شهر رمضان المبارك ،الذي يتزامن هذه السنة مع الوضع الوبائي الطارئ وضوابط الحجر الصحي الصارمة والاجراءات التي تمنع التواجد في أماكن التعبد ،وضعت سلطات بولونيا برنامجا إعلاميا منوعا ،يركز على مختلف طقوس المسلمين خلال الشهر المبارك وعاداتهم وتقاليدهم في الشهر الفضيل ،وبعض العروض الدينية لفقهاء ودعاة ،ليعوض شيئا مما سيفتقده المسلمون خلال هذا الشهر العظيم.

ومن الوهلة الأولى يبدو أن العرض الإعلامي المواكب لشهر رمضان على مختلف القنوات البولونية الرسمية ،الذي لا يتعدى الخمسين دقيقة في اليوم ، قليل من حيث الزمن وضعيف من حيث المحتوى وسطحي الى حد ما ،ولا يشمل الخلفيات الجغرافية والثقافية ولاجتماعية لمختلف المسلمين الذي يعيشون في بولونيا سواء بشكل مؤقت أو بشكل دائم ،ولا ينفذ الى عمق ما يشكله رمضان بالنسبة للمسلمين كافة ،كأحد الأركان الأساسية للإسلام .

إلا أن اجتهاد إعلام بولونيا في تسليط الضوء على شهر رمضان من مختلف جوانبه العقائدية والاجتماعية والنفسية يبقى نقطة حسنة تسجل لهذا الإعلام ،الذي ناذرا جدا ما يهتم بشؤون المسلمين وقضاياهم ،سواء داخل بولونيا أو خارجها ،إلا ما كان من شأن الأخبار العامة ذات البعد السياسي والاقتصادي المحدودة .

وهي فعلا نقطة حسنة ، لأن من شأن هذه البرامج حول الإسلام والمسلمين ،ولو أنها سطحية الى حد ما ، أن  تعطي وتقدم فكرة ولو عامة للمجتمع البولوني عن حقيقة الإسلام ومبادئه وقيمه السمحة وأبعاده الإنسانية النبيلة و انشغالات المسلمين وطريقة تفكيرهم ومبادراتهم السلمية ،التي لا تسعى إلا الى خير البشرية .

وما يستدعي قول هذا هو أن المجتمع البولوني بطبيعته منغلق على نفسه ومتوجس من الآخر ،كما أن ثلة من أفراد المجتمع البولوني تنظر الى الإسلام بنظرة سلبية ،ورغم أن المجتمع بشكل عام مسالم وغير عنصري ،إلا أن عدم معرفته الصحيحة بالإسلام ،كدين سماوي ،وبشؤون المسلمين ،يكون السبب في أحيان كثيرة في وقوع انفلاتات تجاه المسلمين وتجاه أماكن تعبدهم ،ومحاولة الاعتداء على حرماتها ،كما حصل ذلك في مناسبات متعددة ولو أنها قليلة .

ويأمل المسلمون المتواجدون في مختلف مدن بولونيا أن  يبذل الاعلام في هذا البلد الأوروبي ،الذي لم يعرف هجرات إسلامية كثيرة ، جهودا إضافية للإحاطة بقضايا الدين الاسلامي من زوايا إيجابية وعبر خطاب إعلامي غير متحيز ومنصف وبعيدا عن الأفكار المسبقة والأحكام الجاهزة ،ويتجاوب مع كل الأذواق والاهتمامات ،مع العلم أن عدد المسلمين في هذا البلد السلافياني لا يتعدى 30 ألف شخص ،وهم في تزايد مستمر من حيث العدد ومن حيث التوزيع الجغرافي ومن حيث تعاطيهم للشأن الديني.

ولمطلب الاهتمام الإعلامي الايجابي بقضايا الدين الاسلامي في بولونيا راهنيته ،لأن بولونيا لم تعد بالنسبة لعدد مهم من المسلمين مجرد بلد عبور الى آفاق أوروبية أخرى ،وإنما أضحى بلد الاستقرار ،والدليل على ذلك أن الكثير من المسلمين يشغلون مناصب مهمة ،حتى أن منهم من أضحى عضوا بالبرلمان أو بالحكومات المحلية ، وقد اندمجوا بشكل ايجابي في هذا البلد الذي حقق في السنوات الأخيرة طفرة اقتصادية نوعية ،إلا أنه من حقهم الحفاظ على هويتهم الدينية والاجتماعية واللغوية والثقافية ،وهو ما لا يتأتى حاليا بالشكل المطلوب .

وبالتالي ،فإن البرامج المهتمة بالشأن الإسلامي في التلفزة البولونية يجب أن تستمر على طول السنة ولا تكتفي بشهر رمضان ،وتشكل فسحة إعلامية حقيقية وعملية للمسلمين وتعكس هويتهم بقدر ما تؤكد أن هؤلاء المسلمين مرحب بهم في هذا البلد ،الذي أغلبية سكانه  من المسيحيين الكاثوليكيين ، ويحظون بنفس الاهتمام الذي تحظى به باقي القوميات وأصحاب الديانات والملل والمعتقدات الأخرى .

ورغم أن الكل متوجس و خائف ومستاء من الوضع الوبائي السائد إلا أن اهتمام التلفزة البولونية ،حصريا ، بقضايا المسلمين في هذا الشهر المبارك يثلج الصدر ويمنح التفاؤل بأن الدين الإسلامي بدأ يشق حضوره في وسط المجتمع المستقبل بثبات .