زيارة رئيس الوزراء النيبالي للصين.. خطوة أولى باتجاه خفض التبعية الاقتصادية للهند

سعد أبو الدهاج

نيودلهي -تشكل الزيارة الرسمية التي بدأها رئيس الوزراء النيبالي كي بي شارما أولي، أمس الاثنين إلى الصين، خطوة أولى من شأنها العمل على خفض درجة التبعية الاقتصادية للهند، خاصة بعد التوتر الأخير في العلاقات بين البلدين الجارين.
ويمكن اعتبار هذه الزيارة بمثابة رد استراتيجي من قبل الحكومة النيبالية على تعنت نظيرتها الهندية، خلال الأشهر القليلة المنصرمة، وممارستها لسياسة الضغط على كاتماندو، تضامنا منها مع جماعة “مادهيسي” العرقية، التي ترتبط معها بوشائج ثقافية ودينية وطيدة جدا.
هذه الروابط جعلت الهند تقف إلى جانب جماعة “مادهيسي”، التي نظمت عددا من المظاهرات والإضرابات، احتجاجا على الدستور النيبالي الجديد، المصادق عليه في شتنبر الماضي، الذي قسم البلاد بشكل غير عادل إلى 7 ولايات بحدود تمر عبر موطن أجدادهم، كما أضعف من سلطاتها المحلية وعمل بالمقابل على تعزيز صلاحيات الحكومة المركزية.
على أن سلطات كاتماندو لجأت، في وقت سابق، إلى التهديد بتعزيز أواصر التعاون مع الصين، الخصم الاستراتيجي الكبير للهند، بعدما واصلت حكومة نيودلهي فرض قيود على تصدير الوقود إلى النيبال، ما تسبب في حدوث نقص كبير في المواد الغذائية والمحروقات والسلع الأساسية الأخرى، وأدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل قياسي.
وقد أدى هذا الوضع إلى مطالبة رئيس الوزراء النيبالي، كي بي شارما أولي، الهند، عبر خطاب متلفز، برفع الحصار “غير المعلن” الذي تفرضه على بلاده، مؤكدا أن هذه الأخيرة تواجه أزمة إنسانية خطيرة بسبب توقف نشاط الشاحنات عند المعابر الحدودية التي تجمعها بالهند، في الوقت الذي عللت فيه نيودلهي إغلاق الحدود بالخطر الذي تمثله المظاهرات التي اجتاحت المنطقة.
فخلال اللقاء، الذي جمع رئيس الوزراء النيبالي، كي بي شارما أولي، بالرئيس الصيني شي جين بينغ، اتفق الجانبان على تدعيم ركائز التعاون الثنائي وتجاوز العلاقات التقليدية بينهما، من أجل المضي قدما نحو توسيع آفاق شراكة مستقبلية تعود بالنفع على شعبي البلدين، تهم مبادرة الحزام والطريق والمخطط الخماسي الـ 13 وخطة النيبال للتعمير والتنمية، وإبرام اتفاقيات لبناء خطوط سككية متعددة تربط بين النيبال ومراكز الإنتاج الرئيسية في الصين.
وأكد الطرفان، خلال هذا اللقاء، على تشبثهما بمبادئ التعايش السلمي، القائمة على الاحترام المتبادل للسيادة والوحدة الوطنية وعدم الاعتداء والتدخل في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى والمساواة والمنفعة المتبادلة.
كما اتفقت النيبال والصين على بذل المزيد من الجهود من أجل تسريع إقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين، وكذا تعزيز التعاون في قطاعات الصناعة والطاقة والسياحة والتعليم والثقافة وإعادة الإعمار.
ومن المنتظر أن تعود هذه الشراكة على النيبال بفوائد اقتصادية كبيرة، عبر استغلال عدد من المنصات التمويلية الجديدة، مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنيات التحتية ومنظمة شانغهاي للتعاون، مما من شأنه تقوية الصداقة بين البلدين.
وفي هذا الصدد، لم يفت رئيس الوزراء النيبالي أن ينوه بالدعم الذي قدمته الصين في ما يخص عملية إعادة الإعمار بعد الزلزال الذي ضرب البلاد في 26 أبريل من السنة الماضية، مجددا التأكيد على أن حكومة بلاده ستشارك بفعالية في بناء مبادرة الحزام والطريق، كما تتطلع إلى تعاون أوثق مع بكين في قطاع التجارة والبنيات التحتية وغيرها.
لكن مصادر رسمية هندية حاولت، أمس الاثنين، التقليل من تأثير التوقيع على هذه الاتفاقيات بين النيبال والصين، حيث امتنعت وزارة الشؤون الخارجية الهندية عن إصدار بيان رسمي على الفور، باعتبار أن العلاقات بين نيودلهي وكاتماندو “لا يمكن مقارنتها بما اتفقت عليه النيبال والصين” خلال هذه الزيارة.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء النيبالي إلى الهند في فبراير المنصرم ساهمت في رأب الصدع في العلاقات بين البلدين، مبرزة أن سلطات نيودلهي دعمت نظيرتها النيبالية في عدد من المجالات الاقتصادية، كما وافقت على منح كاتماندو ولوجا خاصا إلى ميناء فيزاج، من أجل فك العزلة عنها.
ويرى مراقبون أن الحكومة النيبالية لن تدير ظهرها للهند، وإنما ستعمل على التقليل من التبعية الاقتصادية لجارتها الجنوبية، مع الحفاظ على أواصر الصداقة والتعاون مع بلد يتقاسم معها العديد من الروابط الدينية والثقافية والحضارية والتاريخية، لكن بالاعتماد على أسس ومعايير جديدة بعيدا عن أساليب الضغط والترهيب.