صيانة فن الخط … نحو الحفاظ والارتقاء بالأبعاد الفنية والثقافية للهوية المغربية الأصيلة

الدار البيضاء – سعيا للحفاظ على فن الخط وتطويره ودعم ممارسيه باعتباره فنا أصيلا يجسد عمق التراث الفني والثقافي للهوية المغربية، لم يدخر المغرب جهدا في إيلاء اهتمام نوعي وخاص لهذا الموروث الثقافي العريق.وفي هذا السياق، يجسد إشراف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، يوم الجمعة بالمكتبة الوسائطية لمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء على تسليم شواهد لفائدة خريجي شعبة فن الخط بأكاديمية الفنون التقليدية، الاهتمام الخاص الذي يوليه جلالة الملك لحرفيي الصناعة التقليدية وحرص جلالته الراسخ على النهوض بالتكوين في فن الخط، باعتباره موروثا ثقافيا مغربيا أصيلا، يكرس ثراء وغنى الهوية المغربية.
كما تعكس زيارة جلالة الملك لمعرض “إشراقات الحرف” الخاص بفن الخط المنظم من طرف مؤسسة مسجد الحسن الثاني والجمعية المغربية لفن الخط، الاهتمام الخاص الذي يوليه جلالة الملك لتطوير الحرف التقليدية المغربية الأصيلة بما في ذلك فن الخط المغربي والعربي وحرصه جلالته الدائم على تمكين الحرفيين من التكوين الملائم والناجع في شتى المجالات، بما يتيح انخراطهم الفاعل في الدينامية الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة.
كما أن تجذر هذا الموروث الثقافي في التاريخ والحضارة المغربية، يتجلى من خلال الأهمية القصوى التي يوليها قطاع الصناعة التقليدية في المملكة لهذا الصنف الفني والتشكيلي، عبر تعزيز المبادرات الرامية إلى برامج التكوين المهني في النهوض بقطاع الحرف التقليدية وتحسين مردوديتها والرفع من جودة منتوجاتها.
وسعيا إلى بلوغ أهداف الرؤية المسطرة من طرف الوزارة الوصية للرقي بقطاع الصناعة التقليدية، شهدت السنوات الأخيرة إحداث عدد من مؤسسات التكوين في مهن الصناعة التقليدية، وذلك بهدف تكوين جيل جديد من الصناع التقليدين قادر على المزاوجة بين أساليب وأنماط الإنتاج التقليدية والتقنيات الحديثة الكفيلة بتعزيز تنافسية المنتوج الوطني.
وتعد أكاديمية الفنون التقليدية بالدار البيضاء، التي كان جلالة الملك، حفظه الله، قد دشنها في 31 أكتوبر 2012، مؤسسة لتكوين الأطر العليا والبحث في مجال الفنون التقليدية (صباغة الخشب، النحت على الخشب، الزليج، الجبس، المصنوعات الجلدية، الحياكة، وصناعة المجوهرات …). حيث تمكن المتدربين الشباب من الولوج إلى عوالم الإبداع والتميز، وتوظيف التكنولوجيات الحديثة ومحاكاة مناهج التدبير الحديثة.
كما تشكل هذه المؤسسة الرائدة، فضاء تأهيليا ينضاف إلى مختلف مراكز التكوين في حرف الصناعة التقليدية المحدثة خلال السنوات الأخيرة، لاسيما تلك التي رأت النور في إطار البرنامج المسطر من طرف مؤسسة محمد الخامس للتضامن، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، من أجل تمكين الشباب من تأهيل مهني ملائم من خلال تبني نمط التكوين بالتدرج.
وفضلا عن ذلك، تشكل جائزة محمد السادس للخط العربي مبادرة نوعية لتحفيز مارسي هذا الصنف الفني الأصيل، وإفراز فنانين وخطاطين قادرين على الحفاظ في المستقبل على هذا الموروث الثقافي التليد والمهدد بالاندثار.
وقد كان لهذه الجائزة، دور كبير في النهضة والتطور الذين عرفهما الخط المغربي مؤخرا، الشيء الذي مكنه من الخروج من ثنايا المخطوطات والوثائق الرسمية إلى عالم اللوحة، مشجعا بذلك مجموعة من الرواد على تجديده وتأصيل جوانبه الفنية والابداعية.
وتمتد مهارة الخط المغربي لتشمل سائر أنواع الخطوط العربية كالثلث الجلي والثلث العادي والديواني الجلي والديواني العادي والخطوط الكوفية، حيث من الأكيد أن هذه المهارة والتألق ستمكنان الخطاط المغربي من التربع على منصة التتويج في هذا المجال الفني الزاخر بالأبداع عن جدارة واستحقاق.
ويأتي معرض “اشراقات الحرف” الذي حظي بزيارة ملكية اليوم ليعزز مختلف المبادرات على الصعيد الوطني الرامية إلى ترسيخ الإشعاع الثقافي للمملكة، لاسيما إنجاز متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، وإطلاق أشغال إنجاز المسرحين الكبيرين للرباط والدار البيضاء، وكذا تنظيم معرضين بباريس حول موضوعي “المغرب المعاصر” بمعهد العالم العربي، و”المغرب الوسيط، إمبراطورية من إفريقيا إلى إسبانيا” بمتحف اللوفر.