عيد ”الهولي” .. مهرجان الألوان الذي تستقبل به الهند بفرح قدوم فصل الربيع

(من المراسل الدائم للوكالة بنيودلهي : سعد أبو الدهاج)

نيودلهي- تحتفل الهند، اليوم الجمعة، بيوم “هولي” أو (مهرجان الألوان)، في الفترة ما بين متم شهر فبراير وبداية شهر مارس من كل سنة، والذي يرمز إلى الاحتفال والفرحة بقدوم فصل الربيع.إذ يحتفل الهندوس، عند اكتمال القمر في الشهر الثاني عشر من كل سنة حسب التقويم الهندوسي، بيوم “هولي”، الذي ترجع جذوره إلى فترات قديمة جدا، ويرمز إلى الابتهاج بقدوم الخير، لكنه يهدف من جهة أخرى إلى تخفيف الهوة الاجتماعية بين مختلف فئات المجتمع وأطيافه، إذ يعرف مشاركة الجميع في الاحتفال من دون استثناء أو تمييز.

وينسجم الاحتفال بمهرجان الألوان مع شهرة الهند كبلد يزخر بتعدد الألوان وتنوعها، حيث يبدو كلوحة فنية أو فسيفساء متداخلة الألوان بتركيبته العرقية والدينية والتاريخية الغنية والفريدة، وحتى بتباين مناطقه وجغرافيته.

ويعتبر يوم “هولي” في الأساس احتفالا بموسم الحصاد وخصوبة الأرض ووداع فصل الشتاء واستقبال فصل الربيع، غير أن له جذورا دينية، ترتبط ببعض الأساطير الهندوسية التي تحكي عن إحراق هوليكا، شقيقة ملك الشياطين، ومن هنا جاء اسم “هولي”، على الرغم من أن البعض يرجع سبب التسمية إلى الإنجليزية، والتي تعني “المقدس”.

وترجع أول مخطوطة تتحدث عن مهرجان هولي إلى كتابات من القرن السابع الميلادي، أشارت إلى طقوس هندية قديمة يلجأ خلالها الناس إلى تلطيخ وجوه بعضهم البعض بالمساحيق الملونة ورمي العطور والمياه المعطرة، وهذا هو السبب في تسميته بمهرجان الألوان.

وكان من المعتاد أن تصنع المساحيق الملونة من مواد طبيعية وبعض الأعشاب الطبية المذكورة في “الأيورفيدا”، وهي منظومة تعاليم الطب التقليدي في الهند، لكن مع مضي الوقت بدأت صناعة الأصباغ من مواد كيمائية، والتي اكتشف أن بعضها يتكون من مواد ضارة سببت بعض الإصابات للمتراشقين بها.

ويعرف هذا الحدث باسم “مهرجان الربيع” بسبب توقيته الذي يكون في بداية فصل الربيع من كل سنة، وهو مهرجان شعبي كان مقتصرا في البداية على طائفة الهندوس، غير أن طوائف أخرى كالسيخ والبوذيين تبعتهم في ذلك، كما أن الاحتفالات لا تقتصر على الهند، بل تتعداها إلى الدول المجاورة مثل النيبال وبنغلاديش وسريلانكا وحتى باكستان.

وتبدأ الاحتفالات، التي تستمر يومين، ليلة يوم “هولي” عند اكتمال القمر، حيث يقوم الهندوس، وهم يغنون ويرقصون ويوزعون الحلويات، بإشعال النيران اعتقادا منهم بأن ذلك يقضي على الأرواح الشريرة، كما أن البعض منهم يحرق بجمر تلك النيران أجزاء من منازلهم بهدف طرد الشر عنها ويحتفظون برمادها لإبعاد الأمراض عنهم.

وفي صباح اليوم التالي، تنطلق الأنشطة المرتبطة بمهرجان الألوان، حيث يلجأ الجميع إلى استخدام مساحيق ومياه ملونة لرشق بعضهم البعض، كما يستخدمون بالونات معبأة بالماء الملون و مسدسات الماء، حتى تصير أشكالهم غاية في البشاعة. ولا يستثنى أحد في الشوارع والأزقة من الرشق، سواء كان جارا أو صديقا أو غريبا، امرأة أو رجلا، غنيا أو فقيرا، صغيرا أو كبيرا. وبعد نهاية الاحتفال، يتم التخلص من ملابس المتراشقين لصعوبة رجوعها إلى حالتها الأولى بسبب كثرة الأصباغ وتنوعها.

ويرتدي المتدينون الهندوس اللون الأبيض طيلة أيام الاحتفال، بينما يميل الأطفال بشكل خاص إلى ارتداء الملابس المزركشة والملونة في عيد الألوان، على أن المهرجان لا يكتمل إلا بتبادل الهدايا بين الأقارب والأصدقاء والجيران، وهي في الغالب أصناف متنوعة من الحلوى الهندية التقليدية.

وإذا كان الاحتفال بهذا المهرجان يبدو خاصا بالهندوس، إلا أن عددا متزايدا من السياح الأوروبيين والأمريكيين أصبحوا يتوافدون على الهند خلال هذه الفترة من السنة للمشاركة في هذا المهرجان، والتراشق بدورهم بالألوان السائلة والترابية وسط مظاهر من الفرح والبهجة.

وعلى الرغم من أن مهرجان الألوان يعد أكثر شيوعا في شبه القارة الهندية، إلا أنه بدأ خلال السنوات الأخيرة في الانتقال إلى بعض الدول الأوروبية وأمريكا، لاسيما في المدن التي تشهد تواجدا مكثفا للجاليات الهندية من أصل هندوسي.