ليما عاصمة لاتينية تتنفس عبق الحضارة العربية الاندلسية

  (بقلم: هشام الأكحل)

ليما –  وأنت تتجول بساحة “بلازا دي أرماس” وسط العاصمة البيروفية ليما، سيخيل إليك أنك وسط أحياء المدينة العتيقة بفاس أو مراكش أو غيرهما من المدن التاريخية المغربية، فالطابع المعماري الأندلسي حاضر بقوة في هذه المدينة اللاتينية التي تشرئب أعناق زوارها إلى شرفات وواجهات مبانيها التي مازالت صامدة أمام الزمن تحكي عن تأثير جلي للحضارة العربية الاندلسية في هذه البلاد القصية.

 وتعتبر البيرو من أكثر بلدان القارة التي يمكن بها معاينة وجود الحضار ة الأندلسية، التي جلبها المستعمر الاسباني خلال القرن السادس عشر، وهو التأثير الذي يتمظهر داخل بعض المنازل التي مازالت إلى اليوم تحتفظ بأفنية واسعة تنفتح على السماء وكأنها تذكر بليالي السمر وحكايات ألف ليلة وليلة، ومن الخارج يبدو لافتا حضور اللمسة الأندلسية في أشكال الأقواس المزينة للنوافذ وأبواب المباني وفي جمالية الفسيفساء.

 وعن هذا الحضور اللافت للارث الأندلسي في البيرو، يقول الكاتب والمؤرخ البيروفي، خوان ألفاريث فيتا، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه ليس هناك مجال للشك أن بلاده وعلى عكس كثير من بلدان أمريكا اللاتينية، استطاعت الثقافة العربية الأندلسية أن تنغمس فيها ويكفي القيام بجولة وسط ليما أو كوسكو ( جنوب شرق) أو تروخييو ( شمال غرب) للوقوف على هذا الحضور البارز.

 وفي تقدير ألفاريث فيتا، صاحب العشرات من المؤلفات في مجالات التاريخ واللسانيات والقانون، فإن التأثير العربي الأندلسي لا يتمظهر في مجال العمران فقط، بل يمتد إلى مجالات كثيرة وعلى سبيل المثال فن الطبخ البيروفي، الذي يحتل اليوم مكانة راقية ضمن قائمة المطابخ العالمية، و يكمن السر في ذلك، برأيه، في كون الأطباق البيروفية نهلت من معين المطبخ الأندلسي العربي.

 وإذا كان الزائر المغربي إلى ليما يحس أنه ليس بغريب عن دروبها وأزقتها التي تحيله على المدن العتيقة للمملكة، فإن السائح البيروفي عندما يزور المغرب سينتابه الاحساس ذاته وكأنه يتجول بشوارع وأزقة ليما ومركزها التاريخي، “وهذا بالتحديد ما عاينته خلال زيارتي للمغرب سنة 2014”.

 ويسجل المؤرخ البيروفي أن هذا الثراث المشترك يتعين، في المقام الأول، أن يكون محط تقدير وتثمين من أجل صيانته وإعطائه المكانة المستحقة ليكون الجسر الرابط بين الشعوب وتتمكن الأجيال القادمة من التعرف على ماضي الأسلاف خاصة وأن التلاقح الثقافي يظل أرفع خيط ناظم بين الماضي والحاضر.

 ويؤكد العديد من المؤرخين أن ليما، التي أسسها فرانسيسكو بيزارو غونزاليز سنة 1535 هي المدينة الوحيدة في أمريكا اللاتينية التي تتميز الهندسة المعمارية للعديد من مبانيها بوجود الشرفات التي صممها الأندلسيون، الذين توافدوا على ليما خلال مرحلة تأسيسها، كما أن العديد من الأبراج بنيت على الطراز المعماري الأندلسي وكانت تستخدم في مراقبة دخول السفن إلى ميناء كياو.

 أما إدواردو أرويو، الأديب والروائي البيروفي، فيعتبر أن تأثير الحضارة العربية بالبيرو لا يمتد فقط على المستوى العمراني و المجتمعي، من خلال فن الطبخ وبعض العادات، بل يمتد إلى اللغة الاسبانية التي تضم في أحشائها أزيد من أربعة آلاف مصطلح من جذور وأصول عربية، وهو ما يجعل هذه الثقافة البيروفية قريبة من الثقافة العربية بفعل وجود تاريخ وروافد هوية مشتركة

وأضحى الحضور الأندلسي بليما وخاصة بمركزها التاريخي، الذي أدرجته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) ضمن قائمة التراث العالمي الإنساني، قيمة مضافة لتاريخ مدينة أصبحت اليوم بفعل مؤهلاتها السياحية مقصدا للكثير من الراغبين في تجريب رحلة الغوص في تاريخ عاصمة لاتينية مازالت إلى اليوم شاهدة على زمان الوصل الأندلسي.