مارتين فيزكارا..المهندس الذي يبحث عن تطويق الأزمة السياسية و صون الديمقراطية في البيرو

(بقلم: عبد الله كيتو)

ليما – تولى مارتين فيزكارا، أمس الجمعة، رئاسة البيرو و الآمال معقودة عليه في أن يدشن لمرحلة جديدة من المصالحة تضع حدا لأزمة سياسية عصفت بسلفه بيدرو بابلو كوشينسكي، الذي لم يجد بدا من الاستقالة، و هو السيناريو الذي كان منتظرا.

و يبدو أن مهمة فيزكارا المهندس، الذي انتخب من قبل حاكما لجهة موكيغوا الواقعة جنوب البلاد بالإضافة إلى تقلده لمنصب وزير و سفير، لن تكون باليسيرة خاصة و أن إحدى مهامه الرئيسة التي سينكب عليها تتمثل في مكافحة الفساد وإنهاء المواجهات السياسية والكراهية التي ميزت الأشهر الأخيرة من حكم كوشينسكي، و كذلك في ظل وجود معارضة شرسة تسيطر على البرلمان.

و خلال تواجده على رأس حكومة موكيغوا بين سنتي 2011 و 2014، أبان الرئيس عن إدارة جيدة حيث سجلت الجهة أعلى المؤشرات في مجال التنمية الاجتماعية، خاصة في قطاعي التعليم المدرسي، و التنمية البشرية، إلا أنه لم يسلم خلال حملة الرئاسيات السابقة من سهام  المعارضة الحالية التي وجهت إليه عدة اتهامات.

و خلال هذه الحملة، كان الرئيس المستقيل يصف فيزكارا و مرسديس أراوز، النائبة الثانية للرئيس، ب “بوليصات التأمين” في حال حدوث طارئ يحول بينه و بين إتمام ولايته الرئاسية، و هي النبوءة التي ستتحقق بعد نحو 20 شهرا.

و وعيا منه بأهمية قضية مكافحة الفساد، فقد أكد الرئيس الجديد، الذي آلت إليه زمام الأمور في البلاد طبقا لأحكام الدستور باعتباره النائب الأول لرئيس الجمهورية، في أول خطاب له إلى الأمة،” لقد حان الوقت لنقول كفى” للفساد، مشددا على ضرورة تبيان “المسؤوليات والمخالفات” التي ارتكبت من قبل العدالة حتى ينال المخالف العقاب الذي يستحق.

و لعنة الفساد في البلد الجنوب أمريكي تطار العديد من علية السياسيين، و من بينهم رؤساء كحال أويانتا هومالا و زوجه الذي ارتأى القضاء أن يجعلهما خلف القضبان في إطار التحقيق معهما حول تورطهما المفترض في قضايا فساد، و الرئيس أليخاندرو توليدو الذي تطالب البيرو بتسليمه من الولايات المتحدة بتهمة تلقيه رشوة بقيمة 20 مليون دولار من شركة البناء البرازيلية “أوديبريشت”، المتورطة في قضايا فساد في العديد من دول المنطقة، بالإضافة إلى كوشينسكي الذي تحوم الشكوك حول صلاته المشبوهة بالشركة ذاتها.

و بالإضافة إلى الفساد، الذي يقض مضجع البيروفيين، الذين خرجوا في مسيرة حاشدة مساء أول أمس للمطالبة برحيل كل من سولت له نفسه التلاعب بمكتسبات الشفافية و الديمقراطية التي راكمتها البلاد منذ عدة سنوات، فإن فيزكارا يواجه تحديا آخر يتمثل في المصالحة و مد الجسور بين المعارضة و الحكومة لتفادي أي انسداد سياسي قد يلوح في الأفق، و إعادة ترسيخ الحكامة، و ثقة المواطنين.

و في هذا الصدد، قال “إني أملك القوة و العزيمة لخوض التحدي، و واضح أيضا أن هذا التحدي الكبير يجب أن نخوضه نحن البيروفيين جميعا: الأحزاب والقادة السياسيين، و رجال الأعمال والنقابات و كل مواطن”.

الخطاب الأول لرئيس الجمهورية، الذي دعا الشباب إلى الثقة في مؤسسات الدولة، خلف صدى طيبا لدى السياسيين بالبلاد، بدءا بالمعارضة حيث أعربت زعيمة حزب “القوة الشعبية”، كيكو فوجيموري، عن متمنياتها بالتوفيق للرئيس، معتبرة أن الوقت قد حان ليكون البيروفيون “متحدين و واثقين و متفائلين” أمام التحديات التي تواجهها البلاد.

و على نفس المنوال، أشاد الرئيس البيروفي الأسبق، آلان غارسيا، بالمحاور الرئيسة للخطاب و أعلن دعمه لفيزكارا، شأنه في ذلك شأن العديد من السياسيين و الفاعلين في العديد من المجالات.

و بحسب المراقبين، فإن سبب نجاح خطاب الرئيس هو تأكيده على أن الخروج من الأزمة مسؤولية مشتركة، و تحتاج النضج السياسي و الابتعاد عن الحسابات السياسية الضيقة، و الحاجة إلى إنهاء مناخ المواجهات السائد لأن، كما قال، “الفصل بين السلط هو أساس أي ديمقراطية، ومن الضروري ألا تتجاوز أية سلطة حقوق السلطة الأخرى”.

و هكذا، فإن الرئيس الجديد للبيرو، الذي سيقود البلاد حتى سنة 2021، مطالب برفقة فريقه الحكومي، و الذي قال عنه إنه سيضم وجوها جديدة، بتحديد أهداف واضحة في مختلف المجالات و القطاعات، و العمل على صون و تعزيز التجربة الديمقراطية بالبلد الجنوب أمريكي.