محمد مراح…حارس ذاكرة كلميم

كلميم –  “هذه صورة قديمة لرحبة الزرع بكلميم، وهذا المكان التاريخي الشهير أضحى اليوم محطة طرقية للأسف، وهذه قصبة أكويدير، المعلمة الشامخة ورمز مدينة كلميم التي أصبحت أطلالا تنتظر من ينقذها من النسيان”،  بنبرة متأسفة يقلب محمد مراح ، الباحث في التاريخ الثقافي والتراثي لمدينة كلميم  صورا في حاسوبه مقارنا بين الأمس واليوم.

بين دروب حي القصبة القديم بكلميم استقبلنا هذا الرجل الستيني في بيته المتواضع، وحكى لوكالة المغرب العربي للأنباء بكثير من الحنين عن جوانب بارزة من تاريخ منطقة وادي نون وكلميم على وجه خاص، وعن قصته كباحث حافزه الوحيد حب المنطقة وعشق الأرض والتاريخ.

مراح يعتبر بكلميم من جيل الوجوه الثقافية والجمعوية التي ساهمت ولا تزال في بناء المشهد الثقافي والتاريخي للمدينة، ويعد مرجعا هاما للتاريخ وخزانا لاينضب للموروث الشعبي و الثقافي بالمنطقة،لا يبخل على الباحثين بالمعلومات والوثائق والصور الأرشيفية والرواية الشفوية في كل ما يتعلق بتاريخ المدينة ،وسير الشخوص والأعلام التي طبعت تاريخ المنطقة منذ بداية القرن الماضي.مراح رب أسرة وأب لثلاثة أبناء، يقول إنه تم تسجيل والده في الجيش الفرنسي وقاتل في الحرب العالمية الثانية.

على أنغام أم كلثوم وذكريات الزمن الجميل، وكؤوس الشاي الصحراوي، عاد مراح ، في دردشة مع وكالة المغرب العربي للانباء، إلى ذكريات من طفولته في زمن الستينيات، وولعه بأولى العروض السينمائية في “القشلة” بكلميم حيث كان قبطان يعرض للأطفال أفلاما متنوعة، وفي فترة السبعينيات حيث شكلت المسيرة الخضراء حدثا طبع ذاكرة الجميع حينها لقوته ورمزيته الكبيرتين.

“كنت شابا متحمسا حينها وكانت مدينة كلميم ممرا للآلاف المغاربة من مختلف مناطق المغرب المشاركين في المسير الخضراء”، يقول مراح، مضيفا “لقد كنا نشاهد الشاحنات تمر الى الجنوب، مما اذكى فينا الروح الوطنية وقررنا المشاركة ايضا في هذا الحدث الوطني الكبير”.

في نهاية السبعينيات، التحق مراح بنادي جوهرة الصحراء بكلميم لكرة القدم، ولعب لصالح هذا النادي لسنوات، إلى أن أوقفته الإصابة عن مواصلة اللعب بداية الثمانينيات. ولا تزال خزانته تحتفظ بصور أرشيفية لهذه المرحلة التي يعتبرها من أهم فترات حياته،ورغم انخراطه في المجال الرياضي لم ينس مراح ولعه وحبه للتوثيق والتأريخ ويقول “اشتريت آلة تصوير فوتوغرافية نهاية السبعينيات وكانت البداية الحقيقة للتوثيق بالصور”.

ويحتفظ هذا الرجل في أرشيفه بصور نادرة لشخصيات طبعت تاريخ كلميم، ويسعى حاليا أن يخلق جسور تواصل مع الأجيال الجديدة من خلال الشبكات الاجتماعية. ويرى أن ” الجيل الجديد لا يعرف الكثير عن تاريخ هذه الجهة، ونسعى أن نوفر له جزءا من هذا التراث الذي وثقناه واحتفظنا به لعقود “، مشيرا الى انه يتلقى باستمرار رسائل وطلبات، من طلبة جامعين وباحثين ومهتمين بتاريخ وتراث المنطقة ،يقدم لهم المساعد قدر المستطاع في بحوثهم.

“لم أتمكن من إكمال دراستي لظروف قاهرة ،ولكن تعلمت الكثير من مدرسة الحياة، ومن تجاربي الشخصية، وأصبحت عصاميا وأحب التعلم الذاتي”، يقول مراح الذي يعتني بأرشيفه من الصور التي تحمل كل واحدة منها حكاية خاصة يحكيها للاجيال على الشبكات الاجتماعية، منها التي تم توثيقها في زمن التصوير الفيلمي بالأبيض والأسود.

عشقه للسفر والتجوال والنبش المستر عن تاريخ المنطقة، خلق لدى هذا الباحث أفقا واسعا من المدارك ورصيدا معرفيا اكتسبه بتجربة شخصية على مدى عقود. وقد تولد لديه عشق التجوال بعد أن كان حلما في طفولته، وهو يشاهد أفواجا من السياح الأوربيين يأتون إلى كلميم ويكتشفون التراث والطبيعة الخلابة للمنطقة، فراودته ذات الرغبة والحلم ،”كيف لا وأنا ابن هذه المنطقة وهي الأولى ان اكتشفها وأتعرف عليها” يفسر مراح.

وحاليا، يجتهد مراح في إبداع أساليب توثيق تاريخ المنطقة، وبحرصه هذا يقدم بقدر ما يستطيع نموذجا لباحث مغربي عصامي أصيل، حافزه حب الوطن وخدمته بمبادرات طوعية عمادها الشغف والمبادرة الذاتية والعفوية.