نبيل القروي، مرشح حزب “قلب تونس” الذي راهن على العمل الخيري

تونس  – أن يتواجه مرشحان مناوئان للمنظومة القائمة، يقبع أحدهما بالسجن، في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، هو ضرب من المستحيل، بل ويشكل أسوأ سيناريو يمكن توقعه.

غير أن هذا المستحيل هو الذي حدث في نهاية المطاف. فبوصوله إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية المبكرة بتونس، قدم نبيل القروي، مرشح حزب “قلب تونس”، الدليل على تأثير خطابه الشعبوي والإنساني على جزء لا يستهان به من الناخبين التونسيين.

مستفيدا من تراخي الدولة في التعاطي مع العمل العمومي، استغل القروي أيضا حالة فراغ سائدة ليقدم نفسه كأحد أبطال الأزمنة المعاصرة. وعلى الرغم من إيداعه السجن منذ 23 غشت الماضي، بأمر من القضاء، بشبهة التهرب الضريبي وغسيل الأموال، فإن ذلك لم يكن له تأثير كبير عليه.

وفي جميع الأحوال، فإن حضوره في الدور الثاني بالتزامن مع وجوده في السجن، يضع تونس في وضعية غير مسبوقة على الصعيد العالمي. فالقروي، الذي يقدمه طاقم حملته الانتخابية على أنه “مانديلا تونس”، ازدادت شعبيته في المعاقل التي جابها خلال السنوات الأخيرة، لتقديم مساعدات للأسر المحتاجة.

وإذا كان نبيل القروي ينحدر من النخبة المسيرة التونسية، فإن صورته ك”مناهض للمنظومة” تعززت بعد إيداعه السجن. فقد بنى رجل الأعمال هذا، البالغ من العمر 56 سنة، شعبيته خلال السنوات الأخيرة من خلال تنظيم عمليات خيرية في المناطق المعوزة بالبلاد، مستندا على قناته التلفزيونية “نسمة”.

وقد حل القروي في المرتبة الثانية بنسبة 15 في المائة من الأصوات المعبر عنها. أما على مستوى التوزيع الجغرافي، فقد استقطب نبيل القروي أصوات الناخبين بشمال البلاد، وبالأساس في باجة وجندوبة وبنزرت، مسقط رأسه.

وكان تفرق صفوف حزب “نداء تونس” في مصلحة مرشح حزب “قلب تونس” بشكل كبير. فالقروي، وهو أحد المسيرين السابقين بالنداء، غادر هذه التشكيلة السياسية بعد توترات مع المدير التنفيذي، حافظ قايد السبسي، في أبريل 2017، وهو ما مكنه من استقطاب جزء كبير من ناخبي الحزب، فضلا عن 21 في المائة من الناخبين، الذين لم يدلوا بأصواتهم في انتخابات العام 2014.

ولم يشكل إيداعه السجن منذ غشت الماضي، عائقا بالنسبة له، بل إنه استفاد من وجوده في سجن المرناقية (القريب من تونس العاصمة)، وهو ما عزز صورته كمرشح “مناهض للمنظومة”، ورفع بالتالي من نوايا التصويت لصالحه.

وجدير بالذكر، أن منظمة (أنا يقظ) غير الحكومية التي تعنى بمكافحة الفساد، وهي الفرع المحلي لمنظمة الشفافية الدولية، تتقفى منذ سنة 2016 آثار تحركاته عن كثب. وهي تتهمه، إلى جانب شقيقه غازي، بتأسيس شركات في ملاذات ضريبية بهدف التقليص من مبلغ الضرائب المفروضة عليها. وهي الاتهامات التي لم تنكب عليها العدالة سوى مؤخرا، الأمر الذي قد ينظر إليه على أنه استغلال من قبل السلطة السياسية.

وقد جاب فريقه الانتخابي، الذي تقوده زوجته، مختلف مناطق البلاد، حيث نجح في تقديمه على أنه “ضحية المنظومة السياسية الجائرة”، و”ضحية تصفية حسابات” من قبل خصومه الأكثر شراسة، وخاصة يوسف الشاهد، رئيس الحكومة، والمرشح سيء الحظ لحزب “تحيا تونس.”

وتصفه زوجته، سلوى سماوي، التي قادت حملته الانتخابية نيابة عنه، بأنه “محارب، متيقن من نفسه، يقاتل. وهو يدير بقدر المستطاع حملته انطلاقا من زنزانته، حيث يخامره شعور كبير بالظلم والتمرد … ولحسن الحظ، وعلى الميدان، لا ينتظر المواطنون سوى أمرا واحدا: التصويت لإخراجه من السجن”.

فالقروي الملقب ب”برلوسكوني تونس”، ورئيس المجموعة الإعلامية والإشهارية (القروي آند القروي)، يقدم نفسه على أنه مدافع عن الفئات الشعبية، حيث يوزع المواد الغذائية ومساعدات ضرورية باسم جمعيته، خليل تونس، التي تم إحداثها بعد وفاة نجله في حادثة سير.

وقد بدأت متاعبه بعدما قدمته استطلاعات الرأي، منذ أزيد من سنة، كمرشح للفوز بالانتخابات الرئاسية. وأرجع المدافعون عنه إيداعه السجن إلى مناورات خصومه الأكثر شراسة، ممثلين في رئيس الحكومة يوسف الشاهد، مرشح “تحيا تونس”، وكذا حركة النهضة، بسبب اقتحامه لمناطق تعد معاقل انتخابية للحزب الإسلامي.

وفي انتظار تحديد تاريخ الدور الثاني، الذي سيجرى بعد الانتهاء من النظر في كافة الطعون، يشكل هذا المرشح مصدر إزعاج حقيقي للقضاء، وحالة فريدة من نوعها في العالم. فأي مخرج يمكن إيجاده لتمكينه من الخروج من زنزانته، والشروع في إجراء حملة منصفة برسم دور ثان يبدو أن نتائجه غير محسومة وسيشهد منافسة محتدمة.