نيودلهي في مواجهة أزمة بيئية “غير مسبوقة” بفعل استمرار كتلة من الضباب الدخاني في أجواء المدينة

                    (إعداد : سعد أبو الدهاج)

  نيودلهي – تواجه نيودلهي، العاصمة الوطنية للهند، منذ أزيد من أسبوع، أزمة بيئية “غير مسبوقة”، ناجمة، بالأساس، عن تكون كتلة الضباب الدخاني ما تزال تبسط سيطرتها على أجواء المدينة وضواحيها، بسبب الارتفاع “القياسي” و”المهول” في نسبة تلوث الهواء.

  وتعكس كتلة الضباب الدخاني، الأسوأ من نوعها التي تشهدها نيودلهي منذ نحو 17 سنة، الوضع البيئي السيء الذي بلغته جودة الهواء بالعاصمة، وذلك أياما بعد الاحتفالات المواكبة لعيد (ديوالي) الهندوسي وبداية فصل الشتاء الذي يشهد عادة تدهورا في نوعية الهواء”.

  وترجع أسباب الأزمة البيئية في العاصمة الهندية إلى عوامل مختلفة من أبرزها الإفراط في حرق مخلفات الزراعة في الولايات المحيطة، والاستعمال المكثف للمفرقعات والألعاب النارية خلال احتفالات عيد “ديوالي” الهندوسي، والغبار الناجم عن أعمال البناء والهدم وعوادم السيارات، ما أدى إلى ارتفاع مستوى الجسيمات الملوثة للهواء (بي إم 2.5)، بأزيد من 15 مرة عن المعدل الطبيعي.

  واعتبر المدير التنفيذي لـ (مركز الأبحاث والدفاع وعلوم البيئة)، أنوميتا رويشودري، أن “تكون هذه الكتلة من الضباب الدخاني في أجواء مدينة نيودلهي يتطلب إطلاق خطة للاستجابة لحالات الطوارئ التي قد تنجم عن هذه الكارثة البيئية، لاسيما مع استمرار هذه الكتلة في التوسع في سماء العاصمة”.

  وأضاف رويشودري أنه “أمام استفحال هذا الخطر البيئي، ينبغي على سلطات مدينة نيودلهي العناية أولا بالأشخاص المسنين والأطفال والمرضى الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي والقلب، وتقديم مختلف أنواع الدعم والمشورة للمواطنين، من خلال توعيتهم بأضرار تلوث الهواء على صحتهم”.

  وأمام استفحال الوضع البيئي، اتخذت حكومة ولاية العاصمة نيودلهي، التي يقودها حزب (عام آدمي) المعارض والمناهض للفساد، تدابير استعجالية لمواجهة هذه الموجة الجديدة من الضباب الدخاني، حيث أمرت بتعليق العمل في كل أوراش البناء والهدم.

  وبادرت سلطات مدينة نيودلهي إلى تعليق الدراسة، عبر إغلاق أزيد من 1700 مؤسسة تعليمية لمدة ثلاثة أيام، من أجل الحفاظ على صحة وسلامة التلاميذ والطلبة، والحيلولة دون استنشاقهم للهواء الخارجي المشبع بالجسيمات الملوثة، كما كما حثت سكان المدينة على البقاء قدر الإمكان داخل منازلهم.

  وقامت السلطات، كذلك، بمنع الاستخدام العشوائي وغير القانوني لمادة الفحم، وحظرت استخدام كل مولدات الكهرباء التي تعمل بوقود الدييزل خلال الأيام العشرة المقبلة، كما أعلنت أن مختلف بلديات العاصمة نيودلهي ستشرع في تنظيف الشوارع والأزقة ورشها بالمياه بشكل مستمر.

  غير أن مجهودات السلطات المحلية بالعاصمة نيودلهي تعرضت للكثير من الانتقادات من قبل الحكومة المركزية وفعاليات المجتمع المدني، بسبب “عدم نجاعتها” وبقائها رهينة لـ”قرارات بيروقراطية عقيمة”.

  وفي هذا الصدد، نظم مئات من المتظاهرين الهنود، أمس الأحد، وقفة احتجاجية للتنديد بالتدهور المستمر لجودة الهواء في العاصمة الوطنية نيودلهي وضواحيها، مطالبين السلطات باتخاذ مبادرات فعالة وناجعة للحد من الارتفاع “القياسي” في نسبة التلوث بالمدينة، وإرساء مخطط شامل يستهدف مكافحة التغيرات المناخية في البلاد عموما وفي ولاية العاصمة نيودلهي على الخصوص.

  كما دعت أزيد من 200 عريضة إلكترونية، ضمن منصة (شانج دوت أورغ) الإلكترونية الأمريكية الخاصة بتقديم العرائض، السلطات الهندية إلى ضرورة التدخل بشكل عاجل من أجل وضع حد لتلوث الهواء، ما يبرز الانخراط القوي للساكنة ووعيها بالخطر المترتب عن الانبعاثات الغازية والجسيمات الهوائية الملوثة.

  من جهتها، وجهت الحكومة المركزية الهندية انتقادات شديدة لسلطات العاصمة نيودلهي والولايات المجاورة لها، معتبرة أن مجهوداتها اتسمت بـ”الضعف” و”التباطؤ” في ما يخص تنفيذ المبادئ التوجيهية لمكافحة تلوث الهواء.

  ودعت السلطات المركزية، خلال اجتماع نظم مؤخرا وضم مسؤولين محليين من ولايات العاصمة نيودلهي والبنجاب وراجستان وأوتار براديش وهاريانا، إلى تفعيل وتنفيذ المبادئ التوجيهية الصادرة عن اللجنة المركزية لمكافحة التلوث في شهر دجنبر المنصرم، والتي تهم الحد من تلوث البيئة، من خلال وقف عمليات إحراق النفايات وغيرها من المواد التي تتسبب في تلوث الهواء، ومراقبة أساليب العمل داخل مصانع الفحم والطوب في ضواحي نيودلهي.

  وتجدر الإشارة إلى أن البيانات الصادرة عن لجنة مكافحة التلوث بالعاصمة نيودلهي كشفت، في الأسبوع الماضي، أن مستويات تلوث الهواء ارتفعت بنسبة 62.7 في المائة، مضيفة أن مجال الرؤية انخفض بشكل “مهول” في معظم شوارع وأحياء العاصمة، جراء استمرار كثافة الضباب الدخاني فوق الأجواء، الناجم عن تزايد الانبعاثات الغازية والاستخدام المفرط للمفرقعات والألعاب النارية وانخفاض قوة الرياح وانعدامها أحيانا.

  يذكر أن (المؤشر الوطني لجودة الهواء)، الذي يصدره (نظام جودة الهواء والتوقعات الجوية والأبحاث) و(المجلس المركزي لمراقبة التلوث)، أكد بدوره أن نسبة الملوثات الهوائية في الهند، خاصة بالعاصمة نيودلهي ونواحيها، شهدت ارتفاعا “غير مسبوق”، بشكل يتجاوز بكثير المعدلات السابقة المسجلة عادة خلال هذه الفترة من السنة.

  ويتم تصنيف العاصمة الهندية نيودلهي كل سنة من قبل منظمة الصحة العالمية وعدد من الهيئات الدولية، من بين أكثر مدن العالم تلوثا.