مكافحة الإجرام أكبر التحديات بالنسبة للأرجنتين خلال العام الجاري

(بقلم : علي الصفاوي)

بوينوس أيرس- تشهد العديد من مناطق الأرجنتين، بما فيها العاصمة الفدرالية، بوينوس أيرس، منذ مطلع العام الحالي استفحالا غير مسبوق للإجرام.

فقد تتالت جرائم القتل والسرقة وتهريب المخدرات بالعديد من الأقاليم بشكل بدأ يثير قلق السلطات التي تواجه ظرفية اقتصادية غير مريحة بسبب الارتفاع المطرد لنسبة التضخم جراء انخفاض قيمة العملة المحلية (البيسو) مقابل الدولار بأزيد من 18 بالمائة منذ يناير ، وتراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة من 52 مليار دولار سنة 2011 إلى حوالي 25 مليار دولار حاليا.
وبالرغم من جهود السلطات من أجل وقف موجة الإجرام التي تجتاح البلاد، فقد بلغ عدد من لقوا حتفهم منذ بداية السنة الجارية رميا بالرصاص 57 شخصا حسب الشرطة الفدرالية و87 شخصا حسب تقارير صحفية، علما بأن أغلب هذه الجرائم كان بهدف السرقة وأن مجموع ضحايا جرائم القتل المسجلة خلال سنة 2012 بكاملها بلغ 161 قتيل وفقا لإحصائيات رسمية.
وموازاة مع ارتفاع عدد جرائم القتل منذ بداية السنة الجارية شهد تهريب المخدرات انتشارا كما تؤكد ذلك كميات المخدرات التي أعلن عن ضبطها من قبل مصالح الأمن منذ بداية السنة الجارية.
فقد فاقت كميات مخدر الماريخوانا، المعلن عن ضبطها، منذ بداية 2014 ، 3 أطنان منها 5ر1 طن حجزت ببوينوس أيرس في أواخر مارس و 1430 كغ بإقليمي ميسيونيس وكوريانتيس (شمال شرق) خلال الأسبوع الأول من أبريل الجاري.
كما تم في فبراير ضبط 700 كغ من الكوكايين بإقليمي سالتا ولاريوخا (شمال) وكذا تفكيك مختبر كبير لإنتاج نفس المخدر بضواحي العاصمة في عملية تمكنت خلالها مصالح الأمن من توقيف مواطن إسباني وخمسة بوليفيين، وحجز 30 كلغ من الكوكايين الصافي، و150 كلغ من السلائف الكيميائية المستعملة في تصنيع المخدرات، ومجموعة من الأسلحة النارية.
وأمام اتخاذ مشكل الإجرام أبعادا غير مسبوقة في البلاد طالبت العديد من المنظمات غير الحكومية وقياديي المعارضة إشراك الجيش في مكافحة المخدرات، إلا أن الحكومة أعلنت مرارا رفضها لذلك على لسان وزير الدفاع، أغوستين روسي، الذي أكد مؤخرا أن القوانين الأرجنتينية تحظر على الجيش القيام بذلك.
ومما زاد من قلق السلطات إزاء الوضع الأمني في البلاد تعدد محاولات قتل المجرمين من قبل الجموع في الشارع العام، والتي قوبلت باستياء كبير من طرف رئيسة الدولة، كريستينا كيرشنر، التي أكدت مؤخرا أنه “لا يمكن للناس الاقتصاص لأنفسهم بأنفسهم في دولة الحق القانون”.
وقد بدأت هذه الظاهرة ،التي وصفتها صحيفة” باخينا 12″ ،المقربة من الأوساط الحكومية ،ب” مسلسل الرعب”، في 22 مارس الأخير بمدينة روزاريو(300 كلم شمال بوينوس أيرس)، عندما ألقى حشد من المارة القبض على شاب ،يبلغ من العمر17 ، متلبسا بسرقة الحقيبة اليدوية لإحدى السيدات ، تحت التهديد بالسلاح الأبيض ، وانهالوا عليه بالضرب المبرح ليلفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى بعد أربعة أيام من ذلك .
وقد ساهم الترويج لهذا الحادث من طرف وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعية إلى تعدد محاولات قتل المجرمين من قبل الجموع في الشارع العام بالعديد من مناطق البلاد ، وذلك بالرغم من النداءات التي وجهها المسؤولون والمدافعون عن حقوق الإنسان من أجل وقف هذه الممارسات.
وقد تتالت بعد ذلك هذه الأعمال التي قوبلت أيضا بتنديد من قبل البابا فرانسوا الأول ، الأرجنتيني الجنسية ، وفي هذا السياق أوردت وسائل الإعلام المحلية أن ثلاثة مشتبه فيهم بتعاطي السرقة تحت التهديد بالسلاح الأبيض تعرضوا ، يوم 8 أبريل الجاري ببوينوس أيرس ، لمثل هذه الممارسات .
وحسب نتائج استطلاع للرأي، أنجزه أحد المعاهد الأرجنتينية ، وشمل عينة من 442 شخصا ، فإن 31 بالمائة من الأرجنتينيين ينددون بقتل المجرمين في الشارع العام فيما يعتبر 29 بالمائة أن هذه المعاملة “هي الطريقة الوحيدة للحصول على العدالة”.
كما أبدى 28 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع رغبتهم في المشاركة في عمليات قتل المجرمين في الشارع العام فيما عبر 70 بالمائة عن قلقهم من انتشار هذه الممارسات.
وأمام استفحال ظاهرة الإجرام أعلنت الرئيسة كيرشنر، مؤخرا ،عن عن رصد 248 مليون دولار لإطلاق مخطط للاندماج الاجتماعي للشبان المدمنين على المخدرات يتضمن بناء أزيد من 200 مركز للتربية والعلاج والوقاية لفائدة هذه الفئة معتبرة أن الإدماج الاجتماعي للشباب ضحايا التهميش هو السبيل للحد من تفشي الإجرام في أوساطهم .
ومن جهته أعلن محافظ بوينوس أيرس ،دانيال سكيولي ، السبت الماضي حالة الطوارئ الأمنية بهذا الإقليم واتخاذ مجموعة من التدابير بهدف السيطرة على الوضع.
وأوضح سكيولي، في مؤتمر صحفي عقده غداة تعرض أحد البنوك للسطو على يد مسلحين بضواحي بوينوس أيرس ،أن هذا الإجراء ،الذي سيستمر12 شهرا ، يشمل التعبئة الفورية ل 5000 شرطي متقاعد وتكثيف الدوريات بهذا الإقليم الذي يضم حوالي 40 بالمائة من مجموع سكان البلاد.
وحسب سكيولي فإن هذا الإجراء يشمل أيضا رصد مبلغ 600 مليون بيسو (حوالي 75 مليون دولار) لمد رجال الأمن بالمعدات الضرورية واعتماد اللامركزية بالنسبة لمركز مكالمات الطوارئ، وتطبيق “زر الإنذار” للهواتف المحمولة، واعتماد القراءة الرقمية للوحات السيارات لتحديد المسروقة منها وكذا تقييد حركة الدراجات النارية للحد من السرقة عن طريق الخطف ، وإحداث وحدة للاستعلام المالي من أجل التعرف على أموال وممتلكات مهربي المخدرات تمهيدا لحجزها.