آخر الأخبار
خزانة القرويين .. منارة علمية وذاكرة عريقة للتراث المكتوب بقلب مدينة فاس

خزانة القرويين .. منارة علمية وذاكرة عريقة للتراث المكتوب بقلب مدينة فاس

الأربعاء, 15 يونيو, 2016 - 19:19

فاس – تشكل خزانة القرويين بفاس التي قام صاحب الجلالة الملك محمد السادس اليوم الأربعاء بتدشينها بعد انتهاء عمليات الترميم الواسعة التي خضعت لها، إحدى المنارات العلمية العريقة للتراث المكتوب التي تتواجد بقلب المدينة العتيقة .

   وتجسد خزانة القرويين الحالية التي أسسها السلطان محمد الخامس امتدادا للخزانة السعدية التي ظلت لقرون عديدة تحتل جناحا داخل جامع القرويين الذي يعد من بين أقدم الجامعات في العالم العربي والإسلامي .

   وتضم هذه الخزانة التي يعود تاريخ تأسيسها إلى القرن الثامن للهجرة والتي اقترن اسمها دائما بجامع القرويين باعتبارها ظلت لقرون عديدة تحتل جناحا داخل هذا الجامع الذي كان ولا يزال أحد اقدم الجامعات في العالم نفائس ثمينة من التراث المكتوب والمخطوطات القديمة إلى جانب رصيد من الوثائق النادرة التي لا يوجد بعضها إلا بين رفوف هذه الخزانة العريقة والتي تعتبر تراثا ثمينا لا يقدر بثمن .

   وتشكل هذه المعلمة التاريخية والحضارية التي تأسست سنة 750 هجرية على يد السلطان أبي عنان المريني وجهة علمية لا محيد عنها للطلبة والباحثين والأكاديميين سواء من المغرب أو من الخارج والذين يفدون إليها لنهل العلوم والمعرفة من المضان التي تتواجد بهذه الخزانة بالنظر لما تضمه من مخطوطات بعضها فريد من نوعه .

   وحسب العديد من الدراسات والأبحاث التي اهتمت بهذه المنارة العلمية الفريدة من نوعها وما تضمه من نفائس وذخائر فإن خزانة القرويين التي عرفت على مر القرون العديد من عمليات الترميم والتوسيع والإصلاح تتوفر على حوالي 4000 مخطوط مفهرسة بطريقة إلكترونية علمية وحديثة وهي فهرسة دقيقة وشاملة تهدف بالأساس إلى تسهيل عملية البحث على الطلبة والباحثين الذين يقصدون الخزانة لإنجاز أبحاثهم ودراساتهم .

   ومن بين الذخائر النادرة من المخطوطات التي توجد في رفوف خزانة القرويين مصحف كريم نادر يعود إلى نهاية القرن الثاني الهجري وبداية القرن الثالث مكتوب بماء الذهب على رق الغزال بخط كوفي قديم ولا توجد أية نسخة مطابقة لهذا المصحف الكريم في أية خزانة أخرى سواء داخل المغرب أو خارجه.

   كما تضم الخزانة بين رفوفها نسخة فريدة من كتاب ( العبر ) لابن خلدون الذي حبسها شخصيا على خزانة القرويين حين كان يقيم ويدرس بمدينة فاس حتى يستفيد منها جميع رواد الخزانة وميزة هذه النسخة أنها ممهورة بتوقيعه بخط يده وقد تم اختيار هذا المخطوط من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( اليونسكو ) ضمن التراث العالمي الإنساني من خلال برنامج ( ذاكرة العالم ) .

   وموازاة مع هذه الدرر والنفائس من المخطوطات التي لا تزال شاهدة على غنى وتفرد الموروث الحضاري للعاصمة العلمية والروحية للمملكة تضم هذه الخزانة مخطوطا نادرا عبارة عن أرجوزة طبية كتبها ابن طفيل وهي النسخة الوحيدة المعروفة في العالم لهذا المفكر والفيلسوف والطبيب التي كتبها بطريقة رجزية وضمنها من خلال أبيات شعرية وصف لمختلف الأمراض والأسقام التي كانت معروفة في عصره وأعراضها وطرق ووسائل علاجها .

   كما تزخر هذه المعلمة التاريخية والحضارية بنفائس أخرى من المخطوطات من بينها مخطوط لكتاب ابن رشد ( البيان والتحصيل ) وهي نسخة سلطانية فريدة وجميلة جدا مكتوبة على رق الغزال ومذهبة وتم اعتمادها في تحقيق هذا الكتاب الذي طبع في عدة مجلدات بالإضافة إلى إنجيل مكتوب باللغة العربية يعود إلى القرن 12 الميلادي إلى جانب مجموعة من المطبوعات الحجرية القيمة والنادرة والتي يقدر عددها بحوالي 600 مطبوع حجري .

  وإلى جانب هذه المخطوطات والمطبوعات الحجرية النفيسة تتوفر خزانة القرويين على مطبوعات تقدر بحوالي 24 ألف عنوان منها مطبوعات نادرة يصل عمر بعضها إلى حوالي 150 سنة لتدخل بدورها في حكم المخطوط باعتبارها غير موجودة في مكتبات أخرى ولا يمكن للباحث أن يعثر عليها إلا داخل خزانة القرويين ولذلك ارتأى المشرفون على الخزانة أن تكون الإعارة داخلية لتفادي فقدان أو ضياع هذه المطبوعات النفيسة .

   وفضلا عن كل هذا تتوفر الخزانة على عدد لا بأس به مما يطلق عليه اسم ( الخروم ) والتي هي مخطوطات ووثائق نادرة ولكنها غير مكتملة أو متلاشية أو تنقصها بعض الورقات .

   ولإنقاذ هذه ( الخروم ) عمدت وزارة الثقافة إلى تشكيل لجنة من الباحثين في مختلف التخصصات بهدف جرد وتصنيف وفهرسة هذا النوع من المخطوطات قبل ترميمها باعتبارها ستساهم في إغناء رصيد الخزانة من المخطوطات .

   وفرضت عملية المحافظة على هذا التراث المخطوط الذي تتوفر عليه الخزانة وصيانته على المسؤولين على خزانة القرويين توفير مختبر للترميم يضم آخر الابتكارات المعتمدة في مجال الترميم من معدات وتقنيات يشرف عليها مهندسون متخصصون حيث يقومون بعمليات الترميم وفق المعايير الدولية المعروفة في هذا المجال .

   وحسب مختلف الدراسات التاريخية، فإن خزانة القرويين لم تغلق أبوابها في وجه الطلبة والباحثين منذ تأسيسها بجناح داخل جامع القرويين العتيق في منتصف القرن الثامن الهجري وذلك بفضل عمليات الترميم والإصلاح والتوسيع والتجديد التي خضعت لها .

   وكانت النواة الأولى لهذه الخزانة كما تشير إلى ذلك مختلف المصادر التاريخية داخل مسجد القرويين حين عمد السلطان أبو عنان المريني إلى إقامة هذه الخزانة بأحد أجنحة هذا المسجد العريق لمساندة ودعم مهمته في التدريس وحتى تكون قريبة من الطلبة والعلماء كما وضع لها قانونا للقراءة والمطالعة والنسخ وزودها بكتب نفيسة في مختلف العلوم والفنون .

   وقد عمد سلاطين المغرب والأمراء والعلماء والعائلات المعروفة بالعلم والفكر والثقافة على مر العصور إلى إثراء محتويات هذه الخزانة وتزويدها برصيد من الكتب والمؤلفات لكبار علماء ومفكري المغرب والعالم الإسلامي وذلك من خلال عملية الوقف والتحبيس بهدف إغناء رفوفها وتمكين الطلاب والعلماء والباحثين من نفائس تهم مختلف الحقول المعرفية .

   وقد ظلت هذه المعلمة التاريخية داخل مسجد القرويين رغم عمليات التوسعة والتجديد التي خضعت لها خاصة في عهد السعديين الذين قاموا بتوسعتها وبنوا جناحا خاصا يسمى ب ( القبة السعدية ) داخل مسجد القرويين وذلك إلى حدود القرن 20 وبالضبط سنة 1940 حين قام جلالة المغفور له الملك محمد الخامس ببناء جناح يعرف الآن بجناح العلويين حيث تم نقل الخزانة إلى هذا الجناح لتنفصل بذلك عن مسجد القرويين ويصبح لها باب خارج المسجد .

   وكان لهذه المبادرة دلالة كبرى لأن فصل الخزانة عن مسجد القرويين تعني من بين أمور أخرى أن مخطوطات وكتب الخزانة لم تعد حكرا على المسلمين فقط بل بإمكان كل الطلبة والباحثين من ديانات أخرى أن يستفيدوا منها مما يؤكد على قيم التسامح والاعتدال التي كانت سائدة في ذلك الوقت .

   وتغلب على مخطوطات خزانة القرويين المواضيع المرتبطة بالعلوم الشرعية حيث تتوفر على العديد من المصاحف والتفاسير وكتب الفقه والحديث والأصول إلى جانب مخطوطات تشمل عدة تخصصات منها الطب والرياضيات والجبر وعلوم الفلك والفلسفة والشعر والأدب والتاريخ والسير والرحلات وغيرها من الفنون .

   ويرجع تنوع هذه المخطوطات وتمحورها حول كل ما له علاقة بالعلوم الشرعية والفقه والأدب والتاريخ والسير والعلوم الرياضية والطب يرجع بالأساس إلى أنها كانت بمثابة الكتب المدرسية التي تدرس بجامعة القرويين في مختلف العلوم والمعارف حيث كان طلاب الجامعة يعتمدونها في مناهج تكوينهم .

 

اقرأ أيضا

المعرض الدولي للنشر والكتاب .. حفل تسليم الجائزة الوطنية للقراءة في دورتها العاشرة

السبت, 18 مايو, 2024 في 22:24

نظم، اليوم السبت بالرباط، في إطار فعاليات الدورة الـ29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، حفل تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية للقراءة، في نسختها العاشرة.

كندا-المغرب.. تسليط الضوء في أوتاوا على دور الدبلوماسية العلمية

السبت, 18 مايو, 2024 في 21:56

تم خلال لقاء في أوتاوا، تسليط الضوء على دور الدبلوماسية العلمية، ومساهمة المركز الوطني المغربي للبحث العلمي والتقني في هذه الدينامية.

الجائزة الكبرى لصاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم لكرة المضرب (قرعة السبورة النهائية) : المغربية العلامي تواجه حاملة اللقب الإيطالية برونزيتي في الدور الأول

السبت, 18 مايو, 2024 في 21:52

أسفرت عملية سحب قرعة السبورة النهائية للدورة ال22 للجائزة الكبرى لصاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم لكرة المضرب، التي جرت اليوم السبت بالرباط، عن مواجهة صعبة للمغربية ملاك العلامي مع حاملة اللقب والمصنفة 48 عالميا، الإيطالية لوسيا برونزيتي، برسم الدور الأول المقرر الإثنين.

MAP LIVE

MAP TV

الأكثر شعبية