دونالد ترامب .. الرهان الأبيض في السباق نحو البيت الأبيض

    المبعوث الخاص للوكالة إلى كليفلاند .. فؤاد عارف

   كليفلاند (ولاية أوهايو) –  غداة الهزيمة التي مني بها ميت رومني، سنة 2012، في مواجهة الرئيس المنتهية ولايته آنذاك باراك أوباما، بادرت قيادة الحزب الجمهوري إلى تشخيص هذه النكسة الانتخابية، الثانية من نوعها بعد استحقاقات 2008، ووصلت إلى نتيجة مفادها أن العرض الانتخابي للحزب لم يتمكن من جذب المؤيدين، خاصة من الأقليات الأمريكية من أصل إفريقي وإسباني، التي أيدت بكثافة القاطن الحالي للبيت الأبيض.

   وقد تلا هذا الأمر نقاش محتدم في صفوف الأغلبية الجمهورية ذاتها بالكونغرس حول المصادقة على قانون للهجرة من شأنه أن يتيح للأقلية من أصل إسباني، التي يتزايد نفوذها وثقلها الانتخابي أكثر فأكثر، الاستفادة من وضع قانوني في الولايات المتحدة.

   وكان من شأن هذا القانون الجديد، الذي لم ير النور، حسب المدافعين عنه، توسيع القاعدة الانتخابية للحزب الجمهوري لتشمل أقليات أخرى من غير كتلته الناخبة، المكونة أساسا من البيض.

   أما قطب العقارات دونالد ترامب، الذي تمت تزكيته رسميا مرشحا للحزب الجمهوري لرئاسيات سنة 2016، فيتوفر على مواقف مناقضة تماما لقيادة الحزب، إذ يعتقد أن فرصته للفوز بانتخابات 8 نونبر المقبل، تمر حتما عبر زيادة تأييد الناخبين البيض، مما سيمكنه من تفادي البحث عن دعم كبير من قبل الناخبين الذين يمثلون الأقليات من أصل إفريقي وإسباني على وجه الخصوص.

   ووفقا لهذا الإيقاع، شرع ترامب في قرع طبول حملته الانتخابية منذ البداية، أي منذ يونيو 2015، باقتراح ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وتعيين قضاة بالمحكمة العليا قادرين على إصدار آراء تتيح للولايات الحفاظ على مؤسسة الزواج في تصورها التقليدي، فضلا عن تقديم نفسه كمرشح لإنفاذ للقانون وضبط النظام.

   بشعبويته المفرطة، يعزف ترامب على وتر نفور هيئة انتخابية ذات توجه يميني، حانقة من الوضع الراهن وكل ما يمت من قريب أو بعيد بواشنطن، حيث الحياة السياسية تعيش على إيقاع الانقسامات الإيديولوجية في الكونغرس، والصراع بين الأغلبية الجمهورية في الجهاز التشريعي وإدارة الرئيس باراك أوباما.

   في هذا السياق، حيث تتهم فيه الطبقة السياسية بكونها أججت الانقسامات الإيديولوجية بل أيضا أخلت بالتوازن المقدس بين مختلف فروع السلطة في الولايات المتحدة، ووسط مشاعر بانعدام الأمن التي بلغت مستويات غير مسبوقة منذ 11 شتنبر 2001، يلعب “دو دونالد”، كما يطلق عليه مناصروه، على هاته المخاوف، وعدم الأمان الاقتصادي والثقافي، وحتى الهوياتي.

   ويرى وليام فراي، وهو خبير في المجال الديموغرافي في مركز التفكير (بروكينغز إنستيتوت)، أنه “في حالة إذا تمكن ترامب من رفع عدد الهيئة الناخبة من البيض بنسبة 5 بالمئة، أكثر من تلك التي صوتت لصالح ميت رومني في سنة 2012، فسيكون بمقدوره أن يصبح الرئيس ال45 للولايات المتحدة”، مضيفا أنه “إذا انخرط الناخبون البيض من كبار السن قلبا وقالبا في هذه الانتخابات الرئاسية، فمن الراجح أنه سيتم احتواء تصويت الأقليات”.

   واعتبر أنه “كلما هاجم دونالد ترامب اللاتينيين، كلما تمكن من جذب نحوه هاته الفئة من السكان”، مبرزا أن هذه الاستراتيجية يمكن أن تكون مربحة بالنسبة لترامب.

   وفي سياق متصل، يشير خبراء آخرون إلى أن فوز معسكر باراك أوباما في انتخابات سنة 2012 صار حقيقة بفضل انتصارات الأمتار الأخيرة التي حققها في ولايات فرجينيا (فارق 115 ألف صوت)، وكولورادو (113 ألف صوت)، وأوهايو (103 ألف صوت)، ونيو هامبشير (40 ألف صوت)، وفلوريدا (73 ألف صوت من أصل 8 مليون ناخب).

   ويندفع دونالد ترامب بقوة لكسب تأييد الناخبين البيض، من أجل بلوغ أزيد من 56 بالمئة من الأصوات التي حققها ميت رومني في سنة 2012، ويضع نصب عينيه عتبة رونالد ريغان، الذي حصل في عام 1984 على تأييد 66 بالمئة من الأصوات، مقابل 34 فقط لمنافسه والتر مونديل.

   ويؤمن المرشح الجمهوري في رجاحة “رهانه الأبيض”، الذي سيعتبر، في حالة ما إذا تحقق، زلزالا سياسيا لم تشهده أمريكا طوال تاريخها الحديث.