رمضان في الصين : “باتشاي” شهر التراحم والتكافل وإبراز وترسيخ هوية المسلمين

رمضان في الصين : “باتشاي” شهر التراحم والتكافل وإبراز وترسيخ هوية المسلمين

الجمعة, 26 يوليو, 2013 - 12:43

– بقلم: عبد الكريم مفكر-

بكين – “آسلام ألايكون” بهذه العبارة، قد يبادرك أحد المارة وهو يبتسم، ما أن تعرج على شارع “نيوجيه”، جنوب غرب بكين، الذي يقطنه أزيد من 12 ألف مسلم، لتبدأ علامات شهر رمضان أو “باتشاي” كما يسمونه، في الظهور.
كثير من سكان الشارع ينتمون لقومية هوي، أكبر قوميات المسلمين في الصين. وإذا كان الشارع المجاور ليس فيه أي مظهر للشهر الفضيل، لا روائح ولا حركة دؤوبة ، فإنك في هذا الشارع تشعر بشيء من رمضان الذي تعودت عليه.

هنا تبدو بعض المظاهر التي تشي بأن شيئا مختلفا يحدث في هذا الوقت من السنة. وطالما أن ملامحك عربية، فالناس هنا يعرفون وجهتك ومقصدك، مسجد “نيوجيه” الذي يعود بناؤه إلى أزيد من 1200 سنة.

كما أنك لن تعدم الترحاب والتهنئة برمضان، فحتى غير المسلمين من سكان الشارع يعلمون أن شهر الصيام قد حل، فيبتسمون في وجهك من باب التضامن، في بلد يشكل فيه الطعام والشراب ركنا ركينا من الثقافة، ولا يمكن لأهله أن يتصوروا أنك ممسك عن الأكل طوال اليوم، هم الذين يقدسون مواعيد الطعام.

ومن أبرز المظاهر التي تواجهك بشارع نيوجيه أي (شارع البقر)، للدلالة على اللحم الحلال، المطاعم المكتوب على واجهاتها بالعربية “المطعم الإسلامي” و”طعام المسلمين” ..

ويستقبل مسلمو الصين “باتشاي” باحتفاء كبير لأنه يشكل مناسبة لإبراز انتمائهم وترسيخ عقيدتهم، المرتكزة على تقوى الله والعمل الصالح والسعي للرزق الحلال والإسهام الإيجابي في المجتمع.

ولمسلمي الصين، حوالي 23 مليون نسمة حسب الإحصائيات الرسمية، عادات وتقاليد خاصة تميزهم عن غيرهم، يقول دليل ما يي رئيس قسم اللغة العربية بمعهد القوميات بمقاطعة قانسو، حيث أنهم يبدؤون الاستعداد للشهر منذ مطلع شعبان.

ويضيف أن من عاداتهم الحميدة قبيل حلول الشهر، أن تتكثف جهود التوعية الدينية المتعلقة بالصوم، وتقام حلقات الذكر والوعظ بالمساجد، وتقوم العائلات المسلمة بدعوة رجال الدين إلى البيوت لقراءة القرآن الكريم والدعاء.

ولا يشغل مسلمو الصين أنفسهم، كباقي إخوانهم في بقاع الأرض، بترقب الهلال، لأن الشهر يتم تحديده فلكيا وتعلن عنه الجمعية الإسلامية الصينية. كما أنهم لا ينشغلون بعد أيام الشهر، فهي ثلاثون يوما بالتمام والكمال ولا تتغير بتوالي السنين.

وعند آذان المغرب يتناول المسلمون الصينيون، أولا قليلا من التمر والحلوى ويشربون الشاي، قبل أن يتوجهوا إلى المساجد لأداء الصلاة، وبعد ذلك يتناولون الإفطار مع أفراد العائلة أو في المسجد.

وخلال الشهر الفضيل، ينفق الأغنياء بسخاء، ويتكافلون مع الفقراء، وتمتلئ المساجد بالموائد الرمضانية الملونة بشتى أنواع المأكولات، وكل مؤمن يأتي للمسجد إلا وقد أحضر معه ما تيسر من الطعام، حتى يشارك إخوانه إفطارهم.

وفي مسجد “نيوجيه” نصبت خيمة الإفطار خلف قاعة الصلاة، لتقديم وجبات، قال أحد القيمين، إن محسنين يتبرعون بها ويعدها متطوعون ومتطوعات بمطبخ المسجد، ليتناولها مسلمون من بقاع وقوميات وأجناس مختلفة، حيث يتأكد سمو آية الأخوة في الإسلام.

وبين صلاة المغرب والتراويح يشهد المسجد إلقاء بعض الدروس الدينية ويتناوب القراء على ترتيل المصحف الشريف.

وتضفي هذه الأجواء الروحانية والأدعية المؤداة بأصوات ولكنات جميلة، قدسية على هذا المسجد، قدسية خص بها الله سبحانه بيوته، لكنها هنا مضمخة بعبق التاريخ التليد، لتجد نفسك أمام لوحة إيمانية رائعة، يشكلها هؤلاء الناس الذين لا يعرفون من لغة القرآن سوى بضعة كلمات، حيث تنبع منهم نفحات إيمانية رائعة وهم يرددون اسم الله، الذي تعهد بحفظ الذكر إلى قيام الساعة.

ويحرص كل من تتحدث إليه هنا أن يبرز مكونات “الثقافة الإسلامية ذات الخصائص الصينية”، التي تبلورت طوال مسيرة تطور الإسلام في هذه البقاع على مدى 1350 عاما، “ثقافة تتميز بالوسطية والبعد عن الغلو والانفتاح الإيجابي على باقي القوميات والتمسك بالوحدة الوطنية”.

وتشير السجلات التاريخية الصينية إلى أن الإسلام دخل البلاد عام 651 م، في عهد أسرتي تانغ وسونغ (618 1279) وذلك بفضل المبادلات التجارية عبر طريق الحرير الشهير، حيث أن التجار العرب والمسلمين نقلوا إلى جانب البضائع ثقافتهم وقيم دينهم، فاختلطوا مع السكان المحليين بشمال غرب الصين، الذي تقطنه قوميات هوي والويغور والكازاخ والقرغيز والأوزبك والتتار والطاجيك ودونغشيانغ وسالار وباوآن، التي اعتنق قسم كبير منها الدين الإسلامي.

وقد أصبح مسلمو الصين يتمتعون بهامش كبير من الحرية لممارسة شعائرهم منذ بدء سياسة الإصلاحات والانفتاح، في أعقاب الفترة العصيبة التي شهدتها البلاد، خلال الثورة الثقافية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

ويوجد في الصين حاليا أكثر من 35 ألف مسجد بنيت بفترات تاريخية متباينة وتنتشر بأماكن تجمع المسلمين في مختلف أنحاء البلاد مترامية الأطراف.

اقرأ أيضا

المعرض الدولي للنشر والكتاب .. ندوة تسلط الضوء على محطات من مسار الكاتبة زكية داود

الأربعاء, 15 مايو, 2024 في 23:58

جرى، اليوم الأربعاء بالرباط، تسليط الضوء على أبرز محطات المسار الأدبي والمهني للكاتبة والإعلامية زكية داود، وذلك في ندوة نظمت في إطار فعاليات الدورة 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب.

الصحراء المغربية: أكاديميون وخبراء يؤكدون بالمحمدية نجاعة مخطط الحكم الذاتي

الأربعاء, 15 مايو, 2024 في 23:41

أكد أكاديميون وخبراء، اليوم الأربعاء بالمحمدية، نجاعة مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب من أجل التسوية النهائية للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

المعرض الدولي للنشر والكتاب: الإعلان عن الفائزين بمسابقة الكتابة في نسختها الثانية

الأربعاء, 15 مايو, 2024 في 23:05

تم الإعلان اليوم الأربعاء عن الفائزين بجائزة مسابقة الكتابة في نسختها الثانية، التي نظمتها وزارة الشباب والثقافة والتواصل-قطاع الثقافة، بالتعاون مع معهد “كونيكت” (Connect Institute)، في إطار فعاليات الدورة الـ 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط.