فيلم”حلاوة روح”يحيي الجدل حول سؤال الرقابة بين سلطة القيم وحرية الإبداع في مصر

– بقلم:حسن هرماس –

القاهرة-عاد الجدل حول سؤال الرقابة على المصنفات الفنية والسمعية البصرية في مصر ليحيي من جديد النقاش حول حرية الإبداع وحدودها، لاسيما في بيئة اجتماعية لازالت تحظى فيها التقاليد والقيم بثقل وازن بين فئات عريضة من الأفراد والجماعات.
فقد خلف فيلم “حلاوة روح”، الذي لعبت فيه دور البطولة الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي، موجة عارمة من ردود الأفعال التي لم تبق حبيسة الأوساط الفنية والثقافية، بل أثار هذا الشريط أيضا ردود فعل من لدن منظمات المجتمع المدني المصري، والهيئات المؤثرة في الحقل الاجتماعي والديني، لتطال شظايا الجدل مجلس الوزراء المصري السابق.
ولعل ما أجج هذه الموجة من النقاش وردود الفعل حول هذا الشريط، ما يعرفه المجتمع المصري في الآونة الأخيرة من انتشار ملفت لظاهرة التحرش الجنسي الذي تطور في كثير من الحالات لاعتداءات على الشرف في الشارع العام، كما تعكس ذلك الصور المنشورة باستمرار في عدد من الصحف ووسائل الإعلام المصرية.
ومن جملة ما قدم من حجج لتبرير المواقف السلبية تجاه فيلم “حلاوة روح” أنه، وبغض النظر عن مدى التزامه بقواعد الإبداع الفني المتعارف عليها في مجال السينما، يتضمن ما وصفه بعض النقاد ب “جرعات زائدة من الإثارة الجنسية”، كما اعتبرت العديد من الآراء أن من شأن مشاهد الإثارة المضمنة في الفيلم أن تشجع الناشئة، وخصوصا فئة المراهقين، على التمادي في أعمال التحرش الجنسي بالنساء والفتيات في الشارع العام المصري.
وتستند العديد من ردود الفعل الصادرة عن جهات مختلفة داخل المجتمع المصري إزاء فيلم “حلاوة روح” إلى مرجعيات أخلاقية، وتدعو إلى الدفاع عن القيم التي لا زالت تلقى تجاوبا واسعا داخل المجتمع، والحيلولة بالتالي دون انتشار ما يصفه البعض بالانحلال الأخلاقي، والانحياز للدفاع عن مكانة المرأة داخل المجتمع.
وفي خضم هذا الجدال الفني الأخلاقي، أعرب “المجلس القومي للمرأة” في مصر عن “احتجاجه الشديد إزاء عرض عدد من الأفلام السينمائية المتدنية أخلاقيا بدور العرض خلال الفترة الحالية… والتي تسيء جميعها بشكل لافت إلى المرأة المصرية وحقيقة دورها المشرف في المجتمع وتؤدى إلى تكريس صورة ذهنية سلبية عن المرأة، ومن ثم ازدياد واستفحال معدلات التحرش الجنسي بالشارع المصري بصورة تهدد أمن وسلامة المجتمع”.
وأهاب المجلس القومي للمرأة بالقائمين على صناعة السينما والدراما المصرية ” بتبني الأفكار والقيم التي تعكس إيجابية أدوار المرأة في المجتمع، كما أهاب بالأجهزة الرقابية بالتدخل السريع واتخاذ قرار حاسم بمنع ووقف عرض تلك الأفلام المسيئة، والأعمال الدرامية حفاظا على القيم والمبادئ، وحماية للمجتمع من انتشار ظاهرة التحرش المؤسفة كما يدعو المواطنين إلى مقاطعة تلك النوعية من الأعمال مما يدفع صناعها إلى العدول عن تبنى ذلك التوجه المسيء للمرأة”.

وفي سياق هذا النقاش أيضا، عقد مجلس الوزراء السابق برئاسة إبراهيم محلب، اجتماعا خصص للتداول حول موضوع حرية الإبداع والتعبير، وحضره كل من رئيس اتحاد النقابات الفنية في مصر، ونقيب السينمائيين المصريين، ونقيب الفنانين التشكيليين، ومجموعة من الفنانين والمخرجين والأدباء والنقاد، بالإضافة إلى ممثلين عن غرفة صناعة السينما المصرية.

وأكد رئيس مجلس الوزراء المصري خلال هذا الاجتماع على “أهمية الدور الذي تقوم به السينما في تكوين الشخصية والوعي الثقافي، والحفاظ على الهوية المصرية بروافدها المختلفة، والمساهمة في بناء المجتمع”، مسجلا أن مصر “لن تبنى عن طريق الإصلاح الاقتصادي والسياسي فقط، بل أيضا عن طريق الإصلاح الاجتماعي وبناء مجتمع واعي ومثقف”.
وشدد إبراهيم محلب على أنه “لا مساس بحرية الرأي والإبداع وفقا لأحكام القانون والدستور، وأنه لا ولن يكون هناك مصادرة للإبداع والمبدعين في كافة المجالات الثقافية والفنية، وأنه يحترم الإبداع بكل أشكاله، وأن هناك فارقا بين الإبداع والتعدي على القيم، وبين الفن واللا فن”، لينتهي الأمر بإصدار رئيس مجلس الوزراء المصري لقرار يقضي بإيقاف عرض فيلم “حلاوة روح”،إلى حين إعادة عرضه على هيئة الرقابة على المصنفات الفنية.
وقد لقي هذا القرار تأييدا من طرف مؤسسة الأزهر التي أشادت بمنع عرض فيلم “حلاوة روح “،وذلك اعتبارا لما ترى أنه “حفاظًا على القيم الدينية والأخلاقية، وعلى سمات الشخصية المصرية”، كما عبر وزير الأوقاف المصري، محمد مختار جمعة، عن “دعمه الكامل لبيان الأزهر الشريف، مع إشادته بما أسماه “الموقف الوطني الشجاع لرئيس الوزراء في حفاظه على القيم الدينية والأخلاقية والحضارية والإنسانية التي تتميز بها الشخصية المصرية بعيدا عن الإسفاف والابتذال، والظواهر الشاذة والغريبة على أخلاقنا وقيمنا وثقافتنا، وعادات المجتمع وقيمه الأصيلة الجديرة بالتقدير والاحترام” .
غير أن قرار إيقاف عرض شريط “حلاوة روح” لم يكن ليمر دون اعتراض، خاصة من طرف المنتسبين للوسط الفني، حيث أدى هذا القرار إلى تقديم رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، المخرج أحمد عواض، لاستقالته، معتبرا أن قرار رئيس الوزراء المصري يعد “تجاوزا”.
وساير الناقد الفني طارق الشناوي موقف رئس جهاز الرقابة، حيث اعتبر بدوره قرار رئيس الوزراء بوقف عرض الفيلم “تجاوزا سيجعل الرقابة مرتعشة الأيدي”، لكنه سجل في الوقت نفسه أن شريط “حلاوة روح” عبارة عن “فيلم رديء، وتجاري بحت”.
ووسط هذا التضارب في المواقف يبقى أمر الحسم في موضوع الرقابة على المصنفات الفنية التي أثارها فيلم “حلاوة روح” مرهونا بما سيؤول إليه الاتفاق الناتج عن اجتماع مجلس الوزراء المصري السابق مع الفاعلين في الحقل الفني والإبداعي بمختلف تفرعاته.
فقد تقرر خلال هذا الاجتماع تشكيل لجنة لإعادة هيكلة جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، بحيث تكون مكونة من ممثلي الاتحادات والنقابات الفنية والمتخصصين، لتتولى “وضع فكر متطور للرقابة، ومراجعة القوانين الخاصة بالرقابة على المصنفات الفنية، وذلك بهدف تفعيل دور الرقابة على الأعمال الفنية والعمل على حماية الأعمال الجيدة التي تحمل رسائل هامة إلى المجتمع، والعمل على الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال لنقل المجتمع المصري نقلة نوعية في المجالات الثقافية والفنية والإبداعية”.