نيلسون مانديلا .. رحيل “أب” جنوب إفريقيا وأيقونة النضال ضد سياسة الأبرتايد

الرباط – برحيل نيلسون مانديلا، أمس الخميس عن سن تناهز 95 سنة، تفقد جنوب إفريقيا “أباها” وأيقونة النضال ضد سياسة الميز العنصري (الأبرتايد) بهذا البلد.

وقد كرس مانديلا، الحائز على جائزة السلام سنة 2012، نهجا فريدا في النضال السياسي ، جعله يحظى باحترام كبير من قادة دول العالم وممثلي المنظمات الحقوقية في العالم، حيث بمجرد الاعلان عن نبأ وفاته، توالت ردود الأفعال عبر ربوع العالم، معربة عن حزنها ومشيدة بمناقب هذا لزعيم التاريخي، معتبرة في الوقت ذاته أن أفضل طريقة لتكريمه ، هي مواصلة السير على نهجه في سبيل تحقيق العدالة والمصالحة والحرية والسلام لكافة شعوب العالم.

“لقد خسرت أمتنا أعظم أبنائها، وفقد شعبنا أباه” ، هكذا أعلن رئيس جنوب افريقيا جاكوب زوما عن وفاة مانديلا، معلنا الحداد و تنكيس الأعلام، اعتبارا من اليوم الجمعة إلى غاية الانتهاء من مراسيم الجنازة التي ستكون رسمية.

وجاء في بيان لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم ، الذي ينتمى إليه الزعيم الراحل ، “لقد فقدت أمتنا قدوة عظيمة ونموذجا للتواضع والإنصاف والعدالة والسلام هنا وفي الخارج” ، مضيفا أن “حياته منحتنا الشجاعة على المضي قدما من أجل تحقيق التنمية والتقدم تجاه وضع حد للجوع والفقر “.

وكان مانديلا قد واجه مشكلات صحية في الأشهر الأخيرة بما فيها عدوى في الرئة نتجت عن سجنه لفترة طويلة خلال فترة الأبرتايد (الفصل العنصري). وخرج من المستشفي في مطلع شتنبر الماضي بعدما ظل مقيما فيه لمدة 85 يوما وظل يعالج منذ ذلك الحين في منزله حتى وافته المنية.

وقد بدأ نيلسون مانديلا الذي ولد سنة 1918، معركته النضالية في صفوف الحركة التحررية الإفريقية ضد نظام الفصل العنصري في بلاده. وبعد أن انتهى من دراسة القانون انضم إلى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي عام 1943، وشكل فيما بعد رابطة شبيية المؤتمر الوطني الإفريقي .

وفي عام 1948 بعد فوز الحزب الوطني الإفريقي في الانتخابات الوطنية ، بدأ مانديلا في الانخراط في مقاومة سياسة الفصل العنصري للحزب. وشارك بنشاط مع حملة التحدي للحزب الوطني الإفريقي ، وتبني ميثاق الحرية داعيا إلى المساواة في الحقوق بين السود والبيض والمقاومة غير العنيفة في البلاد .

وبين عامي 1956 و1961 أعتقل مانديلا رفقة 150 ناشطا آخرين وقدم للمحاكمة بتهمة “الخيانة” ولكن تمت تبرئته ..

وبعد حظر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي عام 1960 بدأ مانديلا في تشكيل مجموعة “رمح الأمة” المسلحة مما أدى إلى سجنه 27 عاما عن عمر 34 عاما بتهمة خروجه من جنوب إفريقيا بطريقة غير شرعية وتحريضه على الإضطرابات والاحتجاجات .

وخلال فترة سجنه في معتقل جزيرة برون بكيب تاون ازدادت شهرته واكتسبت الحملات الدولية الداعية للافراج عنه زخما وأجبرت أخيرا حكومة جنوب إفريقيا على منحه الحرية ، فانتخب بعد ذلك رئيسا لجنوب إفريقيا في أول انتخابات ديمقراطية تعددية.

وكرس مانديلا الفترة الأولى من رئاسته إلى قضية الفقر وتحقيق المصالحة بين البيض والسود في بلاده ، وتخلى عن الرئاسة بعد ذلك لصالح خليفته ثابو مبيكي ، ومع ذلك، لم يغب مانديلا أبدا عن الحياة العامة رغم تقاعده، وعمل في جوهانسبورغ مع مؤسسة نيلسون مانديلا في مكافحة الايدز والتنمية الريفية وبناء المدارس. وتوسط لإنهاء الحرب الأهلية البوروندية .

لقد رحل مانديلا لكن إرثه وإنجازاته ستظل خالدة، حيث أجمعت مختلف ردود أفعال قادة الدول على الإشادة بمناقب هذا الزعيم الجنوب الافريقي، إذ اعتبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن الراحل ” الذي كان الأكثر شجاعة وتأثيرا على وجه الأرض ، أنجز أكثر مما يمكن توقعه من أي رجل “.

واستدل أوباما فى بيان أصدره، بتصريح لمانديلا في ختام محاكمته العام 1964 أكد فيه أنه “حارب ضد سيطرة البيض وحارب ضد سيطرة السود ورفع قيم الديمقراطية والمجتمع الحر الذي يعيش فيه الجميع بتناغم وفرص متساوية “.

كما أثنى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على الراحل مانديلا معتبرا أن “ضوءا كبيرا انطفأ في العالم ” لأن ” نيلسون مانديلا كان بطلا في عصرنا “.

ومن جهته قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إن ميراث زعيم جنوب أفريقيا سيظل يلهم المناضلين من أجل الحرية ..

وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن عصرا كاملا من التاريخ الحديث في إفريقيا يرتبط بقوة باسم نيلسون مانديلا الذي انتصر على سياسات الفصل العنصري وأسس جمهورية جنوب افريقيا الديمقراطية .

وأصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس اليوم الجمعة أوامر بتنكيس الأعلام وأعلن الحداد ليوم واحد في الأراضي الفلسطينية على وفاة الزعيم التاريخي لجنوب افريقيا وبطل الكفاح ضد التمييز العنصري واعتبر أن “مانديلا كان من أشجع وأهم رجال العالم الذين وقفوا مع الشعب الفلسطيني “..

ومن جانبه أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الشعب الصيني سيتذكر دوما الإسهامات العظيمة التي قدمها مانديلا لتنمية العلاقات الثنائية وقضية تقدم البشرية .

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن حزنه الشديد على رحيل نيلسون مانديلا واصفا إياه ” بالعملاق في عمله من أجل العدالة ومصدر إلهام إنساني متواضع”.

و من جهته حيى الاتحاد الافريقي كفاح مانديلا الذي يمثل روح التضامن والنضال ضد الاحتلال”. وقالت رئيسة مفوضية الاتحاد الافريقى نكوزازانا دلامينى زوما ، إن كفاح مانديلا يمثل روح التضامن ونضال الإنسانية ضد الاحتلال والتمييز العنصري.

وأكد الاتحاد الأوروبي من جهته أن “أفضل طريقة لتكريم الراحل” مانديلا هي “تجديد الالتزام بالحفاظ على القيم التي حارب من أجلها ، وهي العدالة والحرية واحترام حقوق الإنسان”. وجاء في بيان للاتحاد الاوروبي أن ” مانديلا علمنا جميعا درسا كبيرا في المصالحة والانتقال السياسي والتحول الاجتماعي “.

وأعربت كل من كندا وأستراليا و البرازيل وألمانيا ومصر عن عميق حزنها لوفاة مانديلا واصفه إياه ب ” القدوة” و “الزعيم الأخلاقي” ، مشيدين بميراثه السياسي المتمثل في اللاعنف والتنديد بكافة أشكال العنصرية .

وفي سياق متصل، أفادت تقارير إعلامية أن جموع من أبناء جنوب إفريقيا تدفقوا اليوم الجمعة على مقر سكنى الراحل جوهانسبورغ للتعبير عن بالغ حزنهم لوفاته ، حيث اكتظت جميع الطرق المؤدية إلى مقر إقامة مانديلا بالمعزين من أصحاب البشرة السمراء والبيضاء على السواء.