الاتحاد الأوروبي في 2017 : انتعاش اقتصادي عكرت صفوه خلافات داخلية

                                                    سمير هلال

   بروكسل- شهد الاتحاد الأوروبي ومنطقة الأورو خلال سنة 2017 انتعاشا اقتصاديا قطع مع عشر سنوات من الركود. غير أن أزمات داخلية عكرت صفو هذا الانتعاش الاقتصادي وأحدثت تصدعا داخل البيت الأوروبي ينبئ ببداية سنة جديدة صعبة.

   وتأتي الهجرة على رأس الملفات التي لا زالت تؤرق بال أصحاب القرار ببروكسل بسبب الخلاف بشأن تقاسم المسؤولية عن طالبي اللجوء وهو الأمر الذي تسبب بتوتر في العلاقات بين عدد من دول الاتحاد. هذا الخلاف دفع ببعض الدول كإيطاليا إلى اتخاذ مبادرات منفردة بعد تدفق غير مسبوق لمهاجرين على سواحلها قادمين من ليبيا، حيث وقعت مع السلطات الليبية اتفاقا يقضي بتدريب روما لخفر السواحل الليبي ومنحها زوارق مجهزة، وهو ما مكن من تراجع عدد الوافدين من ليبيا إلى إيطاليا بنسبة 93 في المائة خلال السنة الجارية.

   هوة الخلاف بين بلدان الاتحاد الأوروبي بخصوص ملف الهجرة، دفع بروكسل إلى حد رفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الأوروبية ضد كل من بولونيا وهنغاريا وجمهورية التشيك بسبب عدم تنفيذ هذه الدول لقراراتها حول اعادة توطين اللاجئين.

   كما أن الجدل حول قضية استعمال مبيد الغليفوسات في الأنشطة الزراعية في أوروبا شكل نقطة خلاف عميقة بين بلدان الاتحاد رغم تعبئة شعبية واسعة لوقف استخدام هذه المادة التي يعتقد أنها تسبب مرض السرطان، حيث لم يتم الحسم فيه إلا باللجوء إلى التصويت الذي أبان عن انقسام آخر في صفوف البلدان ال 28.

   هذه الخلافات تنضاف إليها فضيحة البيض الملوث بمبيد الفيبرونيل التي هزت أوروبا، حيث تبادلت البلدان الأعضاء الاتهامات بخصوص غياب تبادل المعلومات حول السلامة الغذائية وخاصة بين بلجيكا وهولاندا وألمانيا وحتى فرنسا.

   ولتجاوز هذا الجمود السياسي، ظهر مفهوم ” أوروبا بسرعتين ” الذي تدافع عنه فرنسا وبلجيكا واللوكسمبورغ والذي يهدف إلى وضع مساطر لاتخاذ القرار أكثر مرونة حتى لا يبقى الاتحاد رهين بعض البلدان الأعضاء التي لا ترغب، بالشكل الكافي، في تعزيز الاندماج الأوروبي.

   غير أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي جعل من هذا المفهوم هدفا أساسيا، والذي أعلن عنه في خطابه الشهير نهاية شتنبر بجامعة السوربون بباريس، يجد صعوبة في حشد مزيد من الدعم حول مشروع إعادة بناء أوروبا. فعدد من البلدان التي يمكن الاعتماد عليها لدعم المقاربة الجديدة لإيمانويل ماكرون منشغلة بأوضاعها الداخلية كإسبانيا التي تواجه أزمة غير مسبوقة في كاتالونيا، وإيطاليا التي تستعد للانتخابات التشريعية في أبريل المقبل، وكذا أزمة تشكيل الحكومة في ألمانيا.

   كما أن مفهوم ” أوروبا بسرعتين ” لقي معارضة شرسة خلال تقديمه في مارس الأخير بروما من قبل بلدان أوروبا الوسطى والشرقية.

   فقد حذر الرئيس البولوني أندري دودا مؤخرا من مخاطر “بريكزيت جديد ” وانقسام الاتحاد الأوروبي إذا قام هذا الأخير بتقسيم الاتحاد إلى اتحادات تسير بسرعات مختلفة، مع بلدان لها قدرات على تحقيق نمو أكبر، وعلى اتخاذ القرار، والتقرير محل الآخرين.

  ويعول رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في السنة الأخيرة من ولايته على رأس الجهاز التنفيذي للاتحاد على برنامج طموح من أجل بناء أوروبا موحدة وقوية وأكثر ديمقراطية في أفق 2025، يتضمن سلسلة من المبادرات الملموسة صادقت عليها المفوضية وتهم الاستثمارات والأمن الإلكتروني، والصناعة والديمقراطية.

   كما اقترح يونكر خلال نقاش حول مستقبل الاتحاد ومختلف آفاق الاندماج بعد تقديم ” الكتاب الأبيض ” في مارس الأخير والذي يحدد خمس سيناريوهات لما يمكن أن تكون أوروبا في 2025، سيناريو سادس يقوم على ثلاثة أسس وهي الحرية، والمساواة والحقوق، ودولة القانون.

   وحول توسيع الاتحاد الأوروبي، أكد يونكر أن الاتحاد يمد يده في اتجاه ” إلى كل من يريد تعزيز التعاون معها على أساس قيمنا “، مع استبعاده لانضمام تركيا في المستقبل القريب.