بيرتا كاسيريس .. حينما تدفع المرأة حياتها ثمنا للدفاع عن البيئة بهندوراس

بقلم .. هشام المساوي

تيغوسيغالبا –  قبل يوم واحد عن عيد ميلادها الثالث والأربعين، اغتالت رصاصات الغدر أبرز ناشطة بيئية بهندوراس، بيرتا كاسيريس، التي خلفت وفاتها موجة من الإدانة تجاوزت حدود البلد اللاتيني، لتستدر تضامن حكومات غربية ومنظمات دولية.

رأت بيرتا كاسيريس، ابنة الناشطة السياسية بيرتا فلوريس، النور ذات 4 مارس من عام 1973 بمقاطعة لا إسبرانزا (الأمل) غرب البلاد، حيث كبرت وسط عائلة تميزت بنشاطها الاجتماعي واحتضانها لعشرات اللاجئين الفارين من سالفادور إبان الحرب الأهلية، ما دفعها في السنوات اللاحقة إلى المواصلة على درب النضال وحمل لواء الدفاع عن حقوق إثنية (لينكا)، التي تنحدر منها.

وهي ابنة العشرين ربيعا، ساهمت رفقة ناشطين آخرين في تأسيس “المجلس المدني للمنظمات الشعبية والأهلية بهندوراس”، لحماية ثقافة إثنية (لينكا)، والدفاع عن البيئة وعن حقوق شعبها في الأرض والمياه، وخوض نضال سلمي ضد خوصصة الوديان ومنح تراخيص بناء السدود فوق أراضيهم، أو فتح مناجم واجتثاث الغابات.

في بلد يعتبر الأعنف بالنسبة لنشطاء البيئة حسب عدد من المنظمات الدولية، لم يكن الدفاع عن البيئة لدى بيرتا كاسيريس، الأم لأربعة أبناء، ترفا نضاليا، بل كان واجبا تجاه مواطنين بسطاء يرتبط نمط حياتهم بالماء والأرض.

في ظل هذه الظروف، لم تخفض بيرتا كاسيريس صوتها أمام التهديدات التي تلقتها على مدى سنوات، إذ في سنة 2006 تزعمت حركة أهلية معارضة لبناء عدد من السدود فوق أراضي إثنية (لينكا)، بشراكة بين مقاولات محلية وشركات متعددة الجنسيات، وتمويل من مؤسسات دولية، دون اتفاق مسبق مع الزعماء المحليين.

وقادت كاسيريس مظاهرات ميدانية وضغطا دوليا وصل لنقل القضية إلى لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الانسان، لعدم احترام السلطات والشركات المعنية القوانين التي تنص على استشارة السكان المحليين قبل الترخيص للاستثمارات الأجنبية، هذا النضال كلفها تلقي تهديدات من جهات رسمية ودينية وجماعات اقتصادية، أوصت بعدها اللجنة بإقرار تدابير أمنية لحماية عدد من الزعماء المحليين، من بينهم بيرتا كاسيريس.

هذا النضال في ظل التهديدات، قادها عام 2015 للفوز بجائزة (غولدمان للبيئة)، التي يعتبرها البعض بمثابة جائزة “نوبل الخضراء” بالنسبة لنشطاء البيئة، وذلك لاستماتتها في معارضة مشاريع السدود التي كانت تهدد بترحيل الآلاف من السكان الأصليين من أراضيهم.

واعتبرت كاسيريس بمناسبة تسلم الجائزة أنه “من الشرف الاعتراف بالتضحيات الكبيرة والتزام المجلس المدني للمنظمات الشعبية والأهلية بهندوراس، ومساهماته على مستوى العالم”، موضحة أن “النضال سيتواصل لحماية المياه والأنهار والبيئة (…) وهذه الجائزة هي لكل شهداء البيئة، لأمي ولشعب لينكا”.

في أحد صباحات مارس من العام الماضي، تمكن أفراد مسلحون من اغتيال الناشطة البيئية ببيتها صباح 3 مارس من العام الماضي، حينما كانت ببيتها تعد عددا من البدائل التي ستطرحها خلال مفاوضات مقبلة مع أصحاب مشاريع السدود بالمنطقة، عاما بعد ذلك، مازالت ملابسات الجريمة غير واضحة بالرغم من اعتقال 4 أشخاص يشتبه في صلتهم بالجريمة، وتعالي دعوات لإحداث لجنة تحقيق دولية تحت إشراف الأمم المتحدة لمعرفة صلة المعتقلين بالقوى السياسية والاقتصادية بالبلد.

بيرتا كاسيريس، كغيرها من نشطاء البيئة بهندوراس، يعيشون في بلد اعتبرته المنظمة غير الحكومية “غلوبال ويتنيس” الأعنف في العالم بالنسبة لنشطاء البيئة، إذ أحصت بين 2010 ومتم 2016، اغتيال أزيد من 120 ناشطا بيئيا بسبب اعتراضهم على مشاريع بناء السدود وفتح المناجم وقطع الغابات وفتح أراض زراعية جديدة، مبرزة أن منفذي الاغتيالات يكونون من القتلة المأجورين، وفي أحيان كثيرة، من رجال الشرطة.

وفي الذكرى الاولى لاغتيالها، قررت المنظمة غير الحكومية الدولية (غرين بيس) منح جائزة “أرتيميو بريسيوسو” إلى بيرتا كاسيريس اعترافا بعملها ودفاعها عن حقوق الانسان والبيئة.

حتى بعد اغتيالها، ما زال كفاح بيرتا كاسريس من أجل الحقوق البيئية نبراسا يضيء طريق العديد من المناضلين، من بني شعبها ومن البلدان المجاورة، باعتراف المنظمات الدولية ذات الصلة.