عمر بوم: إبراز جوانب مشرقة من التاريخ اليهودي-المغربي في الولايات المتحدة

بقلم.. عمر عاشي

واشنطن  – يحظى أستاذ الأنتروبولوجيا في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس ،عمر بوم، الذي كرس جهوده البحثية وكتاباته لإبراز جوانب مشرقة من التاريخ اليهودي- المغربي في الولايات المتحدة الامريكية، باحترام وتقدير كبيرين في أوساط الجالية اليهودية المغربية النشيطة  والكثيرة العدد في هذه الولاية الامريكية.

“تبارك الله عليك السي عمر بوم” ، بهذه الكلمات الممتحة من الدارجة المغربية، حيى أفراد الجالية اليهودية الاستاذ عمر بوم المنحدر من منطقة فم ازكيد بإقليم طاطا، إثر تقديمه ، مؤخرا، عرضا بالمركز الثقافي لكنيس “إم هابانيم سفارديم” ، شمال  لوس انجلوس.

وقد حج أفراد الجالية بكثافة ومن مختلف الأجيال ، للاحتفال بثراء الهوية المغربية وبقيم السلم والتسامح والعيش المشترك في كنف الدولة العلوية. وتضمن هذا الحدث ، الذي حضره أيضا حاخامات وأساتذة وباحثون ، معرضا للصور وعرض شريط وثائقي سلط الضوء على جوانب مختلفة من التراث الثقافي اليهودي- المغربي.

وفي إطار عمله البحثي ، أطلق عمر بوم ، في السنوات الأخيرة ، مشروعا طموحا يركز على تجليات الثقافة اليهودية المغربية في منطقة لوس أنجلوس الكبرى، المتوارثة جيلا عن جيل.

وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قال عمر بوم الذي انتقل إلى الولايات المتحدة بعد مسار أكاديمي بجامعة القاضي عياض وجامعة محمد الخامس بالرباط ثم جامعة الأخوين، قبل أن ينال شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة أريزونا، “لقد مكنتني أبحاثي الأكاديمية في هذه المنطقة من الولايات المتحدة من التعرف عن كثب على واحدة من أكثر المجموعات اليهودية ازدهارا “.

وأضاف الباحث الذي صدرت له العديد من المؤلفات حول تاريخ اليهود المغاربة “لم يكن من الممكن إنجاز عملي الأكاديمي دون تجاوب وثقة الطائفة اليهودية التي سمحت لي بإجراء مقابلات مع أعضائها المسنين ، وحضور عشاء السبت +شبات+ والولوج دون قيود إلى الكنس (…) وإلى أماكن عملهم وبيوتهم وتجمعاتهم . لقد شعرت بصفتي عالما أنثروبولوجيا ومؤرخا مغربيا ، أنني لم أغادر المغرب قط”.

وأفاد بأن حوالي 100 ألف يهودي مغربي يقيمون حاليا في الولايات المتحدة من بينهم حوالي 20 ألف بولاية كاليفورنيا.

وسجل عمر بوم  وهو منسق برنامج جول الدراسات الأنثروبولوجية بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، أنه ” لم يتمكن هؤلاء الأفراد من النجاح والترقي داخل جماعاتهم فحسب ، بل استطاعوا الحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية دون أن يفقدوا تنوعهم اللغوي والعقدي”، مشيرا الى أن اليهود المغاربة في الولايات المتحدة “يتحدثون الفرنسية والإسبانية والعربية والأمازيغية والدارجة فضلا عن الإنجليزية. يأكلون الكسكس ، الدفينة ، و الحريرة والطاجين خلال وبعد يوم السبت. وصلواتهم لا تكتمل بدون المقامات المغربية الأصيلة، كما أن منازلهم تؤثتها منتجات تقليدية وهدايا تذكارية من المغرب”.

وأشار عالم الأنثروبولوجيا المغربي إلى أنه في الوقت الذي يواجه فيه العالم تصاعد مد العنصرية والتعصب ، فإن الدور البارز الذي لعبه جلالة المغفور له الملك محمد الخامس في حماية اليهود المغاربة خلال الحرب العالمية الثانية يعد بمثابة تذكير قوي الدلالة بمدى رسوخ مكانة المملكة، على مر السنين ، كنموذج للتعايش السلمي ، وهو واقع تم تكريسه في عهد جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني ويتواصل زخمه اليوم في عهد جلالة الملك محمد السادس.

وأبرز في هذا الاطار، أن مبادرة جلالة الملك محمد السادس لترميم والعناية بالمقابر والمعابد اليهودية “أثمرت نتائج إيجابية غير مسبوقة على الصعيدين الوطني والعالمي” ، وعززت صورة المغرب كأرض للتسامح والحوار بين الأديان، مؤكدا  أن تشبث اليهود المغاربة بتراثهم هو ثمرة الجهود التي يبذلها جميع المغاربة ،في ظل الدولة العلوية ، للحفاظ على مكانة اليهود كمكون من مكونات الامة المغربية و كأحد روافد هويتها التي كرسها دستور 2011.

وأضاف أن حقيقة كون المملكة تتوفر على المتحف اليهودي الوحيد في العالم العربي بمدينة الدار البيضاء ، وأن تلاميذ المدارس والطلبة المغاربة يزورونه للتعرف أكثر على إسهام المكون اليهودي في التاريخ والثقافة المغربيين ، يعكس المكانة الفريدة للمملكة “التي يجب أن تكون مثالا يحتذى به”.

على المستوى الأكاديمي ، أكد العالم الأنثروبولوجي أن المغرب يحتل مكانة متميزة في مجال البحوث الأكاديمية عن يهود الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وأشار إلى أن “هناك الكثير من الدراسات حول يهود المغرب أكثر من أي تجمع آخر في الشرق الأوسط”، موضحا أن الطائفة اليهودية المغربية هي الأكبر عددا في العالم العربي حاليا.

وذكر أنه بعدما كانت دراسة الجماعات اليهودية ،تقليديا وحصريا، حكرا على الأجانب إبان حقبة الاستعمار وخلال الفترة التي أعقبت الاستقلال، فإن الباحثين المغاربة المسلمين واليهود يعدون حاليا من الرواد في مجال الدراسات اليهودية في شمال إفريقيا.

وقال في هذا الصدد، إن الجامعة المغربية تضم أجيالا جديدة من الأساتذة وطلبة الدراسات العليا  الذين يدرسون وينجزون أعمالا حول التاريخ الوطني لليهود ، مضيفا أن “المنظور المغربي” يُنظر إليه على أنه إضافة أساسية في مجال الدراسات اليهودية بالولايات المتحدة بالنظر إلى كون المؤرخين  واللغويين وعلماء الأنثروبولوجيا المغاربة المسلمين الذين يلجون الى المصادر العربية ينشرون أعمالهم باللغة الإنجليزية في المجلات الأمريكية والأوروبية.

وأعرب عمر بوم في الختام، عن أمله في أن يمهد العمل الذي يتم القيام به اليوم في مركز الدراسات اليهودية بجامعة كاليفورنيا ، والذي أطلق موقعا إلكترونيا مخصصا بشكل خاص للجالية المغربية، الطريق لمزيد من الأبحاث من قبل طلبة الدراسات العليا الحالية والمستقبلية لكتابة تاريخ هذه الطائفة وغيرها من الجماعات المغربية الأخرى بفلوريدا ونيويورك وتورونتو ومونتريال وباقي مناطق أمريكا الشمالية واللاتينية.