موسيقى الغرناطي في وجدة.. على إيقاع “لحن الخلود” !

موسيقى الغرناطي في وجدة.. على إيقاع “لحن الخلود” !

الأربعاء, 21 يونيو, 2017 - 12:32

 

   (سمير بنحطة)

   وجدة – في وسط فني شديد التنافسية، لا تزال موسيقى الغرناطي في وجدة توقع نوباتها على إيقاع “لحن الخلود”. وكأن هذا التراث الفني العريق يصر – في عناد – على النفاذ إلى وجدان الوجديين، قائما في الحاضر كما كان في الماضي على تطييب الذائقة الفنية بعبق التاريخ والتراث، وبالموسيقى حين تكون نتاج “عبقرية الزمان والمكان”.

   ولأن الفن الجميل يكسر حواجز الزمن ويقفز على حدود المكان، فقد ظل الطرب الغرناطي، بإيقاعاته الشجية، مثار متعة لا تضاهى عند العديد من العائلات الوجدية. ويؤكد هذا الارتباط الوجداني بفن الغرناطي ما تبذله العديد من الفرق الموسيقية الوجدية من جهود لرعاية هذا التراث ، ما أفضى إلى بروز مدرسة فنية أضفت على أغنية الغرناطي نكهة الانتماء إلى تاريخ المدينة الألفية وتراثها. 

    وقد أدى هذا الاهتمام المتزايد بالغرناطي في وجدة إلى انتشاره بين صفوف أطفال المدينة وشبابها، فعزفوا  وغنوا كما فعل الرواد من قبل ، وهو ما ترصده عين الناقد من الوهلة الاولى، لا سيما في الفعاليات الفنية التي تشهدها وجدة.

    وتحيي المدينة الألفية زمان الوصل بالطرب الغرناطي كل عام ، وهو تقليد فني بلغ دورته الخامسة والعشرين في هذا الشهر الفضيل، ويصنف ضمن أهم المهرجانات التراثية التي تحتفي بأحد أبرز الفنون الأصيلة التي يتفرد بها المشهد الفني المغربي.

   وتراهن وجدة على تثمين هذا الرأسمال الرمزي، بما يدعم مكانة الطرب الغرناطي في المشهد الثقافي الوطني وينعش السياحة الثقافية بهذه الربوع، وينقل هذه الموسيقى التراثية إلى آفاق العالمية الواسعة.

   ولم يتردد الأكاديمي المغربي بدر المقري في الجزم بأن العالمية لا يمكن أن تتحقق للتراث الموسيقي الغرناطي لمدينة وجدة دون تحقق شروط الإدراك الواعي بخصوصية ذلك التراث.

   وقال المقري، خلال مشاركته في ندوة نظمت ضمن فعاليات مهرجان الطرب الغرناطي بوجدة، إن السبيل الأوحد لذلك، هو المقاربة الأكاديمية الموضوعية الكفيلة لوحدها بضمان الانتقال بذلك التراث الموسيقي إلى العالمية.

   وعرض الباحث المتخصص في دراسة القضايا الأنتربولوجية والثقافية بالمغرب لهذه المقاربة مستندا إلى فكرة مفصلية مفادها أن التراث الموسيقي الغرناطي لمدينة وجدة هو حصيلة “عبقرية الزمان والمكان”.

   وبالعودة إلى التاريخ، يتضح أن العلاقات الثقافية ربطت بين مدينة وجدة وجملة من حواضر الأندلس، مثل طليطلة و بلنسية، منذ العصر المرابطي، ما تبدى جليا من خلال هجرة يهود إشبيلية إلى شرق المغرب في العام 1391، ونزول أبي عبد الله محمد، آخر سلاطين غرناطة بعد سقوطها في يناير 1492، في ميناء غساسة (في إقليم الناظور في الوقت الراهن)؛ وفق ما لاحظ الأستاذ المقري.

  وقد ساد في تلك العصور البعيدة تنافس فني محتدم بين الحواضر الأندلسية في النظم الشعري والأداء الغرناطي. ويرى المقري، في هذا الصدد، أن أجود ما نظمه الشعراء الذين تنشد أشعارهم في التراث الموسيقي الأندلسي في مدينة وجدة وفي بعض مدن غرب الجزائر مثل ندرومة و تلمسان ووهران، إنما كان إبان إقامتهم بمدينة وجدة في القرنين 18 و19.

   ومن نماذج ذلك – يوضح الأستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة- الشاعران الجزائريان ابن التريكي الزنكلي الذي توفي سنة 1749، و مصطفى بن إبراهيم الذي توفي سنة 1867 .

    وبعيدا عن النظم الشعري والأداء الموسيقي، كان للمدينة الألفية مجهود لافت على الصعيد التوثيقي، تبدى من خلال مساهمة محمد بن علي الوجدي، المعروف بالغماد الوجدي أو بالإمام الوجدي، الذي توفي سنة 1624، في توثيق نوبات وطبوع الموسيقى الأندلسية.

    وقد أشار إلى ذلك محمد بن الحسين التطواني، المتوفى في العام 1824، في ( كناش الحايك)، الذي أصدرته أكاديمية المملكة المغربية بتحقيق الأستاذ مالك بنونة، وفق ما رصد الأكاديمي المتخصص بدر المقري.

   وقال الباحث الوجدي إن نسخة من كتاب ( الارتقا إلى علم الموسيقى) للفقيه محمد بن إبراهيم التادلي، الذي توفي بالرباط في العام 1894، توجد في خزانة خاصة بمدينة وجدة ،وقد كتبت هذه النسخة من هذا الكتاب الخاص بالموسيقى الأندلسية في العام 1890.

   وفي تأريخه لهذا اللون الموسيقي بوجدة، ذكر المقري بأن أول جمعية خاصة بالموسيقى الأندلسية تأسست بالمغرب، هي الجمعية الأندلسية التي أسسها الأستاذ محمد بن إسماعيل بمدينة وجدة في العام 1921.

   كما ساهمت الجمعية الأندلسية الوجدية في المعرض الكولونيالي بباريس في ماي من العام 1931، وكان عضو من الجمعية الأندلسية الوجدية ضمن البعثة المغربية المشاركة في مؤتمر الموسيقى العربية بالقاهرة في العام 1932، فضلا عن مشاركة الجمعية الأندلسية الوجدية في مؤتمر الموسيقى المغربية في فاس، في العام 1939.

   ويبدو أن هذا الفن، الذي نشأ في غرناطة وقرطبة وإشبيلية قبل قرون خلت، لا يزال يستمد مقومات الحياة، من عشق الفن والشغف بالتراث، في مدينة تضرب بجذورها عميقا.. في التاريخ كما في الوجدان.


اقرأ أيضا

غواتيمالا سيتي.. توشيح سفير غواتيمالي سابق بالرباط بالوسام الملكي من درجة قائد

السبت, 27 أبريل, 2024 في 21:49

تم بمدينة غواتيمالا، توشيح السفير السابق لجمهورية غواتيمالا بالمغرب، السيد إيريك إستواردو إسكوبيدو أيالا، بالوسام الملكي من درجة قائد، والذي تفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمنحه إياه إثر انتهاء مهمته الدبلوماسية بالمملكة.

تمارة.. انطلاق أشغال الملتقى الوطني للنساء الكفيفات وضعيفات البصر

السبت, 27 أبريل, 2024 في 20:39

انطلقت، اليوم السبت بتمارة، أشغال الملتقى الوطني للنساء الكفيفات وضعيفات البصر، الذي تنظمه المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين بالمغرب، التي ترأسها صاحبة السمو الأميرة للا لمياء الصلح، وذلك تحت شعار “النساء الكفيفات.. طموح وتحديات”.

الاتحاد الإفريقي للشباب يعقد بأديس أبابا منتدى تشاوريا تحضيرا لقمة الأمم المتحدة للمستقبل

السبت, 27 أبريل, 2024 في 17:36

ينظم الاتحاد الإفريقي للشباب، التي يتخذ من الرباط مقرا لها، من 26 إلى 27 أبريل بأديس أبابا، منتدى تشاوريا للشباب الإفريقي تحضيرا لقمة الأمم المتحدة المقبلة للمستقبل.

MAP LIVE

MAP TV

الأكثر شعبية